قرأ «طاوي». وقوله (لِتَشْقى) قالت فرقة : معناه لتبلغ من نفسك في العبادة والقيام في الصلاة ، وقالت فرقة : إنما سبب الآية أن قريش لما نظرت إلى عيش رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت : إن محمدا مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم ، أي إن الله لم ينزل القرآن ليجعل محمدا شقيا بل ليجعله أسعد بني آدم بالنعيم المقيم في أعلى المراتب ، فالشقاء الذي رأيتم هو نعيم النفس ولا شقاء مع ذلك ع : فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء ، وقوله (إِلَّا تَذْكِرَةً) يصح أن ينصب على البدل من موضع (لِتَشْقى) ويصح أن ينصب بفعل مضمر تقديره لكن أنزلناه تذكرة ، و (يَخْشى) يتضمن الإيمان والعمل الصالح إذ الخشية باعثة على ذلك ، وقوله (تَنْزِيلاً) نصب على المصدر ، وقوله (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) صفة أقامها مقام الموصوف ، وأفاد ذلك العبرة والتذكرة وتحقير الأوثان وبعث النفوس على النظر ، و (الْعُلى) جمع عليا فعلى. وقوله (الرَّحْمنُ) رفع بالابتداء ويصح أن يكون بدلا من الضمير المستقر في (خَلَقَ). وقوله (اسْتَوى) قالت فرقة : هو بمعنى استولى ، وقال أبو المعالي وغيره من المتكلمين : هو بمعنى استواء القهر والغلبة ، وقال سفيان الثوري: فعل فعلا في العرش سماه استواء وقال الشعبي وجماعة غيره : هذا من متشابه القرآن يؤمن به ولا يعرض لمعناه ، وقال مالك بن أنس لرجل سأله عن هذا الاستواء فقال له مالك : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه عني ، فأدبر السائل وهو يقول يا أبا عبد الله لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفق أحد توفيقك.
قال القاضي أبو محمد : وضعف أبو المعالي قول من قال لا يتكلم في تفسيرها بأن قال إن كل مؤمن يجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في معهود الكلام العربي ، فإذا فعل هذا فقد فسر ضرورة ولا فائدة في تأخره عن طلب الوجه والمخرج البين ، بل في ذلك البأس على الناس وإيهام للعوام ، وقد تقدم القول في مسألة الاستواء. وقوله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) الآية تماد في الصفة المذكورة المنبهة على الخالق المنعم ، وفي قوله (ما تَحْتَ الثَّرى) قصص في أمر الحوت ونحوه اختصرته لعدم صحته ، والآية مضمنة أن كل موجود محدث فهو لله بالملك والاختراع ولا قديم سواه تعالى. و (الثَّرى) التراب الندي ، وقوله (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) معناه وإن كنتم أيها الناس إذا أردتم إعلام أحد بأمر أو مخاطبة أوثانكم وغيرها فأنتم تجهرون بالقول فإن الله الذي هذه صفاته (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) فالمخاطبة ب (تَجْهَرْ) لمحمد عليهالسلام وهي مراد بها جميع الناس إذ هي آية اعتبار ، واختلف الناس في ترتيب (السِّرَّ) وما هو (أَخْفى) منه ، فقالت فرقة (السِّرَّ) هو الكلام الخفي الخافت كقراءة السر في الصلاة ، و «الأخفى» هو ما في النفس ، وقالت فرقة هو ما في النفس متحصلا ، و «الأخفى» هو ما سيكون فيها في المستأنف ، وقالت فرقة (السِّرَّ) هو ما في نفوس البشر وكل ما يمكن أن يكون فيها في المستأنف بحسب الممكنات من معلومات البشر ، و «الأخفى» هو ما من معلومات الله لا يمكن أن يعلمه البشر البتة ع : فهذا كله معلوم لله عزوجل.
وقد تؤول على بعض السلف أنه جعل (وَأَخْفى) فعلا ماضيا وهذا ضعيف ، و (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) يريد بها التسميات التي تضمنتها المعاني التي هي في غاية الحسن ووحد الصفة مع جمع الموصوف لما كانت التسميات لا تعقل ، وهذا جار مجرى (مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] و (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠]