عندكم بجوانبكم ، هذا تفسير ابن عباس والجماعة.
وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير ، وقرأ الناس «كخيفتكم أنفسكم» بنصب السين ، وقرأ ابن أبي عبلة «أنفسكم» بضمها ، وقرأ الجمهور «نفصل» بالنون حملا على (رَزَقْناكُمْ) ، وقرأ عباس عن أبي عمرو «يفصل» بالياء حملا على (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً).
قوله عزوجل :
(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ(٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٢)
الإضراب ب (بَلِ) هو عما تضمنه معنى الآية المتقدمة ، كأنه يقول : ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من تشريكهم مع الله تعالى ، بل اتبعوا أهواءهم جهالة وشهوة وقصدا لأمر دنياهم ، ثم قرر على جهة التوبيخ لهم على من يهدي إذا أضل الله ، أي لا هادي لأهل هذه الحال ، ثم أخبر أنه لا ناصر لهم ، ثم أمر تعالى نبيه عليهالسلام بإقامة وجهه للدين المستقيم وهو دين الإسلام ، وإقامة الوجه هي تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين ، وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه ، و (حَنِيفاً) ، معناه معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة ، وقوله (فِطْرَتَ اللهِ) نصب على المصدر ، كقوله (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : ١٣٨] وقيل هو نصب بفعل مضمر تقديره اتبع والتزم (فِطْرَتَ اللهِ) ، واختلف الناس في «الفطرة» هاهنا ، فذكر مكي وغيره في ذلك جميع ما يمكن أن تصرف هذه اللفظة عليه وفي بعض ذلك قلق ، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به ، فكأنه قال (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) الذي هو الحنيف وهو (فِطْرَتَ اللهِ) الذي على الإعداد له فطر البشر لكن تعرضهم العوارض ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه» الحديث ، فذكر الأبوين : إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة وقوله تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يحتمل تأويلين : أحدهما أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة أي اعلم أن هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخلق ، ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه ، والآخران أن يكون قوله (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) إنحاء على الكفرة اعترض به أثناء الكلام كأنه يقول أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا فإن هؤلاء الكفار قد خلق الله لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي إنهم لا يفلحون ، وقال مجاهد : المعنى لا تبديل لدين الله ، وهو قول ابن جبير والضحاك وابن زيد والنخعي.