الوادي ، وقوله (الْأَيْمَنِ) يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطىء ، ويحتمل أن يكون المعادل لليسار فذلك لا يوصف به الشاطئ إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي أو يعكس ذلك وكل هذا قد قيل ، و «بركة البقعة» هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسىعليهالسلام ، والناس على ضم الباء من «بقعة» ، وقرأ بفتحها أبو الأشهب ، قال أبو زيد : سمعت من العرب : هذه بقعة طيبة بفتح الباء ، وقوله تعالى (مِنَ الشَّجَرَةِ) يقتضي أن موسى عليهالسلام سمع ما سمع من جهة الشجرة ، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد ، وقوله تعالى (أَنْ يا مُوسى) يحتمل أن تكون (أَنْ) مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر ، وقرأت فرقة «أني أنا الله» بفتح «أني» ، ثم أمره الله تعالى بإلقاء العصا ، فألقاها فانقلبت حية عظيمة ولها اضطراب «الجانّ» وهو صغير الحيات فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ ، هذا قول بعضهم ، وقالت فرقة : بل «الجانّ» يعم الكبير والصغير وإنما شبه ب «الجان» جملة العصا لاضطرابها فقط ، وولى موسى عليهالسلام فزعا منها ، و (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ، معناه لم يرجع على عقبه ، من توليه فقال الله تعالى (يا مُوسى أَقْبِلْ) فأقبل وقد آمن بتأمين الله إياه ، ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان ، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه ، و «سلك» معناه أدخل ومنه قول الشاعر : [البسيط]
حتى سلكن الشوا منهن في مسك |
|
من نسل جوابة الآفاق مهداج |
وقوله تعالى : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير برص ولا مثلة.
وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس ، وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة ، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه ، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه ، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك ، أي شمر في أمرك ودع الرهب ، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي ، وقوله تعالى (فَذانِكَ بُرْهانانِ) قال مجاهد والسدي : هي إشارة إلى العصا واليد ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس «الرّهب» بفتح الراء والهاء ، وقرأ عاصم وقتادة «الرهب» بسكون الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضا «الرّهب» بضم الراء وسكون الهاء ، وقرأ الجحدري «الرّهب» بضم الراء والهاء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فذانّك» بشد النون ، وقرأ الباقون «فذانك» بتخفيف النون ، وقرأ شبل عن ابن كثير «فذانيك» بياء بعد النون المخففة ، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف ، وقرأ ابن مسعود «فذانيك» بالياء أيضا مع شد النون وهي لغة هذيل ، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون و «برهانان» ، حجتان ومعجزتان ، وباقي الآية بين.
قوله عزوجل :
(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً