بقلب لديغ من خشية الله والسليم اللديغ ، (وَأُزْلِفَتِ) معناه قربت ، و «الغاوون» التي برزت لهم الجحيم هم المشركون بدلالة أنهم خوطبوا في أمر الأصنام ، والقول لهم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) هو على جهة التقريع والتوبيخ والتوقيف على عدم نصرتهم نحوه ، وقرأ الأعمش «فبرزت» بالفاء والجمهور بالواو ، وقرأ مالك بن دينار «وبرزت» بفتح الراء والزاي ورفع «الجحيم» ، ثم أخبر عن حال يوم القيامة من أن الأصنام تكبكب في النار أي تلقى كبة واحدة ووصل بها ضمير من يعقل من حيث ذكرت بعبادة ، وكانت يسند إليها فعل من يعقل ، وقيل الضمير في قوله «هم» للكفار ، و (الْغاوُونَ) الشياطين ، و «كبكب» مضاعف من كب هذا قول الجمهور وهو الصحيح لأن معناها واحد ، والتضعيف في الفعل بين مثل صر وصرصر وغير ذلك ، و (الْغاوُونَ) الكفرة الذين شملتهم الغواية ، و (جُنُودُ إِبْلِيسَ) نسله وكل من يتبعه لأنهم جند له وأعوان.
قوله عزوجل :
(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤)
ثم وصف تعالى أن أهل النار (يَخْتَصِمُونَ) فيها ويتلاومون ويأخذون في شأنهم بجدال ، ومن جملة قولهم لأصنامهم على جهة الإقرار وقول الحق قسم (تَاللهِ إِنْ كُنَّا) إلا ضالين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم ، ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم أي ما أضلنا إلا كبراؤنا وأهل الجرم والجرأة والمكانة ، ثم قالوا على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان عموما ، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) وفي هذه اللفظة منبهة على محل الصديق من المرء ، قال ابن جريج (شافِعِينَ) من الملائكة و (صَدِيقٍ) من الناس.
قال القاضي أبو محمد : ولفظة «الشفيع» تقتضي رفعة مكانه ، ولفظ «الصديق» يقتضي شدة مساهمة ونصرة ، وهو فعيل من صدق الود ، و «الحميم» الولي والقريب الذي يخصك أمره ويخصه أمرك وحامة الرجل خاصته وباقي الآية بين قد مضى.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآيات من قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) [الشعراء : ٨٨] هي عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليهالسلام وهي إخبار من الله عزوجل ، تعلق بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليهالسلام عنده في دعائه أن لا يخزى فيه.
قوله عزوجل :
(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ