تُفْلِحُونَ
(٣١) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ
اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)
(٣٢)
أسند الطبري عن
المعتمر عن أبيه قال : زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة واتخذت جزعا فجعلت
في ساقيها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت
هذه الآية ، وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها ، ذكره الزجاج ، قال
مكي رحمهالله ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه جمعت خمسة وعشرين
ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع ، وقرأ عبد الله بن مسعود «ليعلم ما سر من زينتهن»
، ثم أمر عزوجل بالتوبة مطلقة وقد قيد توبة الكفار بالإخلاص وبالانتهاء في
آية أخرى ، وتوبة أهل الذمة بالتبيين ، يريد لأمر محمد عليهالسلام وأمر بهذه التوبة مطلقة عامة من كل شيء صغير وكبير ، وقرأ
الجمهور «أيّه» بفتح الهاء ، وقرأ ابن عامر «أيّه» بضم الهاء ووجهه أن تجعل الهاء
كأنها من نفس الكلمة فيكون إعراب المنادى فيها ، وضعف أبو علي ذلك جدا ، وبعضهم
يقف «أيه» وبعضهم يقف «أيها» بالألف ، وقوى أبو علي الوقف بالألف لأن علة حذفها في
الوصل إنما هي سكونها وسكون اللام فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع
الياء إذا وقفت على (مُحِلِّي) [المائدة : ١] من
قوله (غَيْرَ مُحِلِّي
الصَّيْدِ) [المائدة : ١] ،
والاختلاف الذي ذكرناه في (أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ) كذلك هو في (أَيُّهَا السَّاحِرُ) [الزخرف : ٤٩] و (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١]
قوله عزوجل : وقوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا
الْأَيامى) هذه المخاطبة لكل من تصور أن ينكح في نازلة ما ، فهم
المأمورون بتزويج من لا زوج له وظاهر الآية أن المرأة لا تتزوج إلا بولي ، والأيم
يقال للرجل وللمرأة ومنه قول الشاعر :
«لله در بني على
أيم منهم وناكح» ، ولعموم هذا اللفظ قالت فرقة إن هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى
: (وَالزَّانِيَةُ لا
يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٣]
وقوله: (وَالصَّالِحِينَ) يريد للنكاح ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «من عبيدكم»
والجمهور على «عبادكم» والمعنى واحد إلا أن قرينة الترفيع بالنكاح يؤيد قراءة
الجمهور ، وهذا الأمر بالإنكاح يختلف بحسب شخص شخص ، ففي نازلة يتصور وجوبه ، وفي
نازلة الندب وغير ذلك وهذا بحسب ما قيل في النكاح ، ثم وعد الله تعالى بإغناء
الفقراء المتزوجين طلب رضى الله عنهم واعتصاما من معاصيه ، وقال ابن مسعود التمسوا
الغنى في النكاح ، وقال عمر رضي الله عنه عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح وقد قال
تعالى : (إِنْ يَكُونُوا
فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، قال النقاش هذه الآية حجة على من قال إن القاضي يفرق بين
الزوجين إذا كان الزوج فقيرا لا يقدر على النفقة لأن الله قال (يُغْنِهِمُ) ولم يقل يفرق بينهما ، وهذا انتزاع ضعيف ، وليست هذه الآية
حكما فيمن عجز عن النفقة وإنما هي وعد بالإغناء كما وعد به مع التفرق في قوله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا
مِنْ سَعَتِهِ) [النساء : ١٣]
ونفحات رحمة الله مأمولة في كل حال موعود بها ، وقوله : (واسِعٌ عَلِيمٌ) صفتان نحو المعنى الذي فيه القول أي (واسِعٌ) الفضل (عَلِيمٌ) بمستحق التوسعة والإغناء.