كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (٧١)
هذا أيضا توبيخ والمعنى ألم يعرفوه صادقا مدة عمره ولم يقع منهم قط إنكار لمعرفة وجه محمدصلىاللهعليهوسلم وإنما أنكروا صدقه ، وقوله (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) توبيخ أيضا لأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة لا يخفى على ذي فطرة ، ثم بين تعالى حاله عليهالسلام في مجيئه بالحق ، وقوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) قال ابن جريج وأبو صالح (الْحَقُ) الله تعالى ع وهذا ليس من نمط الآية ، وقال غيرهما (الْحَقُ) هنا الصواب والمستقيم ع وهذا هو الأجرى على أن يكون المذكور قبل الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويستقيم على هذا فساد (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) لو كان بحكم هوى هؤلاء ، وذلك أنهم جعلوا لله شركاء وأولادا ولو كان هذا حقا لم تكن لله الصفات العالية ، ولو لم تكن له لم تكن الصنعة والقدرة كما هي ، وكان فساد (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) ، ومن قال إن (الْحَقُ) في الآية الله تعالى بشعت له لفظة (اتَّبَعَ) وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع على كلا الوجهين إنما هي استعارة بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحق ويقررها فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم فليس في ذلك فساد سماوات ، وأما الحق نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله ، وقرأ ابن وثاب «ولو اتبع» بضم الواو وقال أبو الفتح : الضم في هذه الواو قليل والوجه تشبيهها بواو الجمع كقوله (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦] وقوله (بِذِكْرِهِمْ) يحتمل أن يريد بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس ، وقرأ قتادة «نذكّرهم» بنون مضمومة وذال مفتوحة وكسر الكاف مشددة ويحتمل أن يريد بشرفهم ، وهو مروي ، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق «بل أتيتهم بذكرهم» بضم تاء المتكلم ، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا «بل أتيتهم» خطابا لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ الجمهور «بل أتينهم بذكرهم» وروي عن أبي عمرو و «آتيناهم» بالمد بمعنى أعطيناهم.
قوله عزوجل :
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٥)
هذا توبيخ لهم كأنه قال : أم سألتهم مالا فقلقوا بذلك واستثقلوا من أجله ، وقرأ حمزة والكسائي «خراجا فخراج» وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم «خرجا فخراج» وقرأ ابن عامر «خرجا فخرج» وهو المال الذي يجيء ويؤتى به لأوقات محدودة ، قال الأصمعي : الخرج الجعل مرة واحدة والخراج ما تردد لأوقات ما ، ع وهذا فرق استعمالي وإلا فهما في اللغة بمعنى ، وقد قرىء «خراجا» في قصة ذي القرنين وقوله