ما بلغه جهدهم ،
وقرأت عائشة أم المؤمنين وابن عباس وقتادة والأعمش «يأتون ما أتوا» ومعناه يفعلون
ما فعلوا ورويت هذه القراءة عن النبي صلىاللهعليهوسلم وذهبت فرقة إلى أن معناه من المعاصي ، وذهبت فرقة إلى أن
ذلك في جميع الأعمال طاعتها ومعصيتها وهذا أمدح ، وأسند الطبري عن عائشة أنها قالت
يا رسول الله قوله تعالى (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) هي في الذي يزني ويسرق قال «لا يا بنت أبي بكر بل هي في
الرجل يصوم ويتصدق وقلبه وجل يخاف أن لا يتقبل منه».
قال القاضي أبو
محمد : ولا نظر مع الحديث ، و «الوجل» نحو الإشفاق والخوف وصورة هذا الوجل أما
المخلط فينبغي أن يكون أبدا تحت خوف من أن يكون ينفذ عليه الوعيد بتخليطه ، وأما
التقي والتائب فخوفه أمر الخاتمة وما يطلع عليه بعد الموت ، وفي قوله تعالى (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) تنبيه على الخاتمة ، وقال الحسن : معناه الذين يفعلون ما
يفعلون من البر ويخافون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم ع وهذه عبارة حسنة ، وروي
عن الحسن أيضا أنه قال : المؤمن يجمع إحسانا وشفقة والمنافق يجمع إساءة وأمنا ،
وقرأ الجمهور «أنهم» بفتح الألف والتقدير بأنهم أو لأنهم أو من أجل أنهم ويحتمل أن
يكون قوله (وَجِلَةٌ) عاملة في «أن» من حيث إنها بمعنى خائفة.
وقرأ الأعمش «إنهم»
بالكسر على إخبار مقطوع في ضمنه تخويف ، ثم أخبر تعالى عنهم بأنهم يبادرون إلى فعل
الخيرات ، وقرأ الجمهور «يسارعون» ، وقرأ الحر النحوي «يسرعون وأنهم إليها سابقون»
، وهذا قول بعضهم في قوله لها ، وقالت فرقة : معناه وهم من أجلها سابقون ، فالسابق
على هذا التأويل هو إلى رضوان الله تعالى وعلى الأول هو إلى الخيرات ، وقال الطبري
عن ابن عباس : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها ورجحه الطبري بأن اللام
متمكنة في المعنى.
قوله عزوجل :
(وَلا نُكَلِّفُ
نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ
فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣)
حَتَّى
إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ)
(٦٤)
قوله تعالى : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) نسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق على
الحقيقة ، وتكليف ما لا يطاق أربعة أقسام ، ثلاثة حقيقة ورابع مجازي وهو الذي لا
يطاق للاشتغال بغيره مثل الإيمان للكافر والطاعة للعاصي وهذا التكليف باق وهو
تكليف أكثر الشريعة ، وأما الثلاثة فورد الاثنان منها وفيها وقع النسخ المحال عقلا
في نازلة أبي لهب والمحال عادة في قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي
أَنْفُسِكُمْ) [البقرة : ٢٨٤] ،
والثالث لم يرد فيه شيء وهو النوع المهلك لأن الله تعالى لم يكلفه عباده ، فأما
قتل القاتل ورجم الزاني فعقوبته بما فعل وقد مضى القول مستوعبا موجزا في مسألة
تكليف ما لا يطاق في سورة البقرة وفي قولنا ناسخ نظر من جهة التواريخ ، وما نزل
بالمدينة وما نزل بمكة والله المعين ، وقوله تعالى : (وَلَدَيْنا كِتابٌ) أظهر ما قيل فيه أنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه
الملائكة ، وفي الآية على هذا التأويل تهديد وتأنيس من الحيف والظلم ، وقالت فرقة
الإشارة بقوله (وَلَدَيْنا كِتابٌ) إلى القرآن.