وذريته من سلالة ، وما يكون عن الشيء فهو سلالته ، وتختلف وجوه ذلك الكون فمنه قولهم للخمر سلالة لأنها سلالة العنب ومنه قول الشاعر : [الطويل]
إذا أنتجت منها المهار تشابهت |
|
على العود إلا بالأنوف سلائله |
ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير :
سليلة أفراس تجللها بغل
ومنه قول الآخر [حسان بن ثابت] : [الطويل]
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا |
|
سلالة فرج كان غير حصين |
وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في «جعلنا وأنشأنا» ، و (النُّطْفَةَ) تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره ، وهي هنا لمني ابن آدم ، و «القرار المكين» من المرأة هو موضع الولد ، و «المكين» المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم ، و (الْعَلَقَةَ) الدم الغريض ، و (الْمُضْغَةَ) بضعة اللحم قدر ما يمضغ ، وقرأ الجمهور (عِظاماً) في الموضعين ، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «عظما» بالإفراد في الموضعين ، وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولا وبالجمع في الثاني ، وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أبي بكير بعكس ذلك ، وفي قراءة ابن مسعود ، «ثم جعلنا المضغة عظاما وعصبا فكسوناه لحما» ، واختلف الناس في «الخلق الآخر» ، فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد : هو نفخ الروح فيه ، وقال ابن عباس أيضا : خروجه إلى الدنيا ، وقال قتادة عن فرقة : نبات شعره ، وقال مجاهد : كمال شبابه وقال ابن عباس أيضا : تصرفه في أمور الدنيا.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها (آخَرَ) ، وأول رتبة من كونه (آخَرَ) هي نفخ الروح فيه ، والطرف الآخر من كونه (آخَرَ) تحصيله المعقولات ، و «تبارك» مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة ، وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله (آخَرَ) قال (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هكذا أنزلت ، ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل ، ويروى أن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي سرح وبهذا السبب ارتد ، وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) [الأنعام : ٩٣] ، الآية وقوله (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئا خلقه ومنه قول الشاعر : [الكامل]
ولأنت تفري ما خلقت |
|
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري |
وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس ، فقال ابن جريج : إنما قال (الْخالِقِينَ) لأنه تعالى قد أذن لعيسى في أن يخلق ، واضطرب بعضهم في ذلك ، ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية الاختراع والإيجاد من العدم ، ومن هذه الآية قول ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا الله أعلم ، فقال عمر : ما تقول يا ابن عباس ، فقال : يا أمير المؤمنين إن الله خلق