وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال : اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري : هو مسجد الرسول وقال الآخر : هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألاه فقال : هو مسجدي هذا ، وفي الآخر خير كثير إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد.
قال القاضي أبو محمد : ومسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومريد ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة ، وبناه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث مرات ، الأولى بالسميط وهي لبنة أمام لبنة ، والثانية بالصعيدة ، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط ، والثالثة بالأنثى والذكر ، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان ، وكان في طوله سبعون ذراعا وكان عمده النخل وكان عريشا يكف في المطر ، وعرض على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنيانه ورفعه فقال : لا بل يكون عريشا كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينقل فيه اللبن على صدره ، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجرا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم وضع أبو بكر حجرا ، ثم وضع عمر حجرا ، ثم وضع عثمان حجرا ، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله ، قوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) قيل معناه منذ أول يوم ، وقيل معناه من تأسيس أول يوم ، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن «من» لا تجر بها الأزمان ، وإنما تجر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم ، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم ، فإذا وقعت «من» في الكلام وهي تلي زمنا فيقدر مضمر يليق أن تجره «من» كقول الشاعر : [زهير بن أبي سلمى]
لمن الديار كقنة الحجر |
|
أقوين من حجج ومن دهر |
ومن شهر رواية ، فقدروه من مر حجج ومن مر دهر ، ولما كان «أول يوم» يوما وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير من تأسيس ، ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير وأن تكون «من» تجر لفظة «أول» لأنها بمعنى البدأة كأنه قال من مبتدأ الأيام ، وهي هاهنا تقوم مقام المر في البيت المتقدم ، وهي كما تقول جئت من قبلك ومن بعدك وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن ، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو ، ومعنى (أَنْ تَقُومَ فِيهِ) أي بصلاتك وعبادتك ، وقرأ جمهور الناس «أن تقوم فيه فيه رجال» بكسر الهاء ، وقرأ عبد الله بن زيد «أن تقوم فيه فيه» بضم الهاء الثانية على الأصل ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد ، وقال قتادة وغيره : الضمير عائد على مسجد الرسول ، و «الرجال» جماعة الأنصار.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهم : يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون؟ فقالوا يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء.
قال القاضي أبو محمد : يريد الاستنجاء بالماء ، ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فلا تدعوه أبدا ، وقال عبد الله بن سلام وغيره ما معناه : إن الضمير عائد على مسجد قباء والمراد بنو عمرو بن عوف.