وشرك معه المسلمون في بعض لأن المنافقين كانوا يعتذرون أيضا إلى المؤمنين ولأن أنباء الله أيضا تحصل للمؤمنين وقوله : (رَجَعْتُمْ) يريد من غزوة تبوك ، وقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) معناه لن نصدقكم ، ولكن لفظة (نُؤْمِنَ) تتصل بلام أحيانا كما تقدم في قوله (يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٦١] ، و «نبأ» في هذه الآية قيل هي بمعنى عرف لا تحتاج إلى أكثر من مفعولين ، فالضمير مفعول أول ، وقوله (مِنْ أَخْبارِكُمْ) مفعول ثان على مذهب أبي الحسن في زيادة (مِنْ) في الواجب ، فالتقدير قد نبأنا الله أخباركم ، وهو على مذهب سيبويه نعت لمحذوف هو المفعول الثاني تقديره قد نبأنا الله جلية من أخباركم ، وقيل «نبأ» بمعنى أعلم يحتاج إلى ثلاثة مفاعيل ، فالضمير واحد و (مِنْ أَخْبارِكُمْ) ثان حسب ما تقدم من القولين ، والثالث محذوف يدل الكلام عليه ، تقديره قد نبأنا الله من أخباركم كذبا أو نحوه.
وحذف هذا المفعول مع الدلالة عليه جائز بخلاف الاقتصار ، وذلك أن الاقتصار إنما يجوز إما على المفعول الأول ويسقط الاثنان إذ هما الابتداء والخبر ، وإما على الاثنين الأخيرين ويسقط الأول ، وإما أن يقتصر على المفعولين الأولين ويسقط الثالث دون دلالة عليه ، فذلك لا يجوز ، ويجوز حذفه مع الدلالة عليه والإشارة بقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ) إلى قوله (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة : ٤٧] ونحو هذا ، وقوله (وَسَيَرَى اللهُ) توعد معناه وسيراه في حال وجوده ويقع الجزاء منه عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وقوله : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ) يريد البعث من القبور ، و (الْغَيْبِ) والشهادة يعمان جميع الأشياء وقوله : (فَيُنَبِّئُكُمْ) معناه التخويف ممن لا تخفى عليه خافية.
قوله عزوجل :
(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٩٧)
قيل إن هذه الآية من أول ما نزل في شأن المنافقين في غزوة تبوك وذلك أن بعض المنافقين اعتذروا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، واستأذنوه في القعود قبل مسيره فأذن لهم فخرجوا من عنده وقال أحدهم والله ما هو إلا شحمة لأول آكل ، فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، نزل فيهم القرآن ، فانصرف رجل من القوم فقال للمنافقين في مجلس منهم : والله لقد نزل على محمد صلىاللهعليهوسلم فيكم قرآن ، فقالوا له وما ذلك؟ فقال لا أحفظ إلا أني سمعت وصفكم فيه بالرجس ، فقال لهم مخشي والله لوددت أن أجلد مائة جلدة ولا أكون معكم ، فخرج حتى لحق برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له ما جاء بك؟ فقال : وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسفعه الريح وأنا في الكنّ ، فروي أنه ممن تاب وقوله : (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) أمرنا بانتهارهم وعقوبتهم بالإعراض والوصم بالنفاق.