خلق له ، أي فلا تهتم أنت بكفر من كفر ، ولا تحزن عليهم ، فقد قيل لك إن الله محيط بهم مالك لأمرهم ، وهو جعل رؤياك هذه فتنة ليكفر من سبق عليه الكفر ، وسميت الرؤية في هذا التأويل «رؤيا» ، إذ هما مصدران من رأى ، وقال النقاش جاء ذلك على اعتقاد من اعتقد أنها منامة وإن كانت الحقيقة غير ذلك. وقالت عائشة (الرُّؤْيَا) في الإسراء رؤيا منام ، وهذا قول الجمهور على خلافه ، وهذه الآية تقتضي بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها ، وما كان أحد لينكرها ، وقد ذكر هذا مستوعبا في صدر السورة ، وقال ابن عباس : (الرُّؤْيَا) التي في هذه الآية ، هي رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يدخل مكة ، فعجل في سنة الحديبية فرد ، فافتتن المسلمون بذلك ، فنزلت الآيات ، وقال سهل بن سعد : إنما هذه «الرؤيا» أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة ، فاهتم لذلك وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات ، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من ملكهم وصعودهم المنابر ، إنما يجعلها الله فتنة للناس وامتحانا ، ويجيء قوله (أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي بأقداره ، وأن كل ما قدره نافذ ، فلا تهتم بما يكون بعدك من ذلك وقد قال الحسن بن علي ، في خطبته في شأن بيعته لمعاوية (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١١١] ، وفي هذا التأويل نظر ، ولا يدخل في هذه «الرؤيا» عثمان بن عفان ، ولا عمر بن عبد العزيز ، ولا معاوية ، وقوله (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) : معطوفة على قوله (الرُّؤْيَا) ، أي جعلنا الرؤيا والشجرة فتنة (وَالشَّجَرَةَ) هنا في قول الجمهور هي شجرة الزقوم ، وذلك أن أمرها لما نزل في سورة الصافات قال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنها تنبت الشجر ، والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد ، ثم أمر أبو جهل جارية له ، فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه تزقموا ، فافتتن أيضا بهذه المقالة بعض الضعفاء ، فأخبر الله نبيه أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم فتنة واختبارا ليكفر من سبق عليه الكفر ، ويصدق من سبق له الإيمان ، كما روي أن أبا بكر الصديق ، قيل له ، صبيحة الإسراء إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة بيت المقدس وانصرف منه فقال إن كان قال ذلك فلقد صدق ، فقيل له : أتصدقه قبل أن تسمع منه ، قال : أين عقولكم ، أنا أصدقه بخبر السماء فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس والسماء أبعد منها بكثير. وقالت فرقة : (وَالشَّجَرَةَ) : إشارة إلى القوم المذكورين قبل في (الرُّؤْيَا).
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف محدث ، وليس هذا عن سهل بن سعد ، ولا مثله ، وقال الطبري عن ابن عباس : إن (الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) يريد الملعون آكلها ، لأنها لم يجر لها ذكر.
قال القاضي أبو محمد : ويصح أن يريد (الْمَلْعُونَةَ) ، هنا فأكد الأمر بقوله (فِي الْقُرْآنِ) وقالت فرقة : (الْمَلْعُونَةَ) ، المبعدة المكروهة ، وهذا أراد لأنها لعنها بلفظ اللعنة المتعارف ، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله ، وأيضا فما ينبت في أصل الجحيم ، فهو في نهاية البعد من رحمة الله ، وقوله (وَنُخَوِّفُهُمْ) يريد : إما كفار مكة ، وإما الملوك من بني أمية بعد الخلافة التي قال فيها النبيصلىاللهعليهوسلم ، «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا» والأول منها أصوب كما قلنا قبل ، وقوله (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) يريد كفرهم وانتهاكهم فيه كقول أبي جهل في الزقوم والتزقم ، فقد قال النقاش إن في ذلك نزلت ، وفي نحوه وقرأ الأعمش «ويخوفهم» وقرأ الجمهور و «ونخوفهم» بالنون.