صدرا بالكفر فعليهم» ، وهذا الضمير على معنى من لا على لفظها.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا من الاعتراض أن أمر ابن أبي سرح وأولئك إنما كان ورسول اللهصلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، والظاهر من هذه الآية أنها مكية وقالت فرقة (مَنْ) في قوله (مَنْ كَفَرَ) ابتداء ، وقوله (مَنْ شَرَحَ) تخصيص منه ، ودخل الاستثناء لما ذكرنا من إخراج عمار وشبهه ، وردنا من الاستثناء إلى المعنى الأول الاستدراك ب (وَلكِنْ) ، وقوله (فَعَلَيْهِمْ) خبر (مَنْ) الأولى والثانية ، إذ هو واحد بالمعنى ، لأن الإخبار في قوله (مَنْ كَفَرَ) إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر ، و (صَدْراً) نصب على التمييز ، وقوله (شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) معناه انبسط إلى الكفر باختياره ، ويروى أن عمار بن ياسر شكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما صنع به من العذاب ، وما سامع به من القول ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كيف تجد قلبك؟ قال : أجده مطمئنا بالإيمان ، قال فأجبهم بلسانك فإنه لا يضرك وإن عادوا فعد.
قال القاضي أبو محمد : ويتعلق بهذه الآية شيء من مسائل الإكراه ؛ أما من عذبه كافر قادر عليه ليكفر بلسانه ، وكان العذاب يؤدي إلى قتله فله الإجابة باللسان ، قولا واحدا فيما أحفظ ، فإن أراد منه الإجابة بفعل كالسجود إلى صنم ونحو ذلك ففي هذا اختلاف ، فقالت فرقة هي الجمهور : يجيب بحسب التقية ، وقالت فرقة : لا يجيب ويسلم نفسه ، وقالت فرقة : إن كان السجود نحو القبلة أجاب ، واعتقد السجود لله.
قال القاضي أبو محمد : وما أحراه أن يسجد لله حينئذ حيثما توجه ، وهذا مباح في السفر لتعب النزول عن الدابة في التنفل ، فكيف لهذا ، وإذا احتجت فرقة المنع بقول ابن مسعود : ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به ، فقصر الرحمة على القول ، ولم يذكر الفعل.
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بحجة لأنه يحتمل أن جعل الكلام مثالا وهو يريد أن الفعل في حكمه ، فأما الإكراه على البيع والإيمان والطلاق والعتق والفطر في رمضان وشرب الخمر ونحو هذا من المعاصي التي بين العبد والله عزوجل ، فلا يلزم المكره شيء من ذلك ، قاله مطرف ، ورواه عن مالك ، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ ، وروياه عن ابن القاسم عن مالك ، وفرق ابن عباس بين ما هنا قول كالعتق والطلاق فجعل فيها التقية ، وقال : لا تقية فيما كان فعلا كشرب الخمر والفطر في رمضان ، ولا يحل فعلها لمكره ، فأما المظلوم يضغط حتى يبيع متاعه فذلك بيع لا يجوز عليه ، وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن ، ويتبع المشتري بالثمن ذلك الظالم ، فإن أفات المتاع رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم بظلمه ، قال مطرف : ومن كان من المشترين يعلم حال المكره فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب ، وأما من لا يعلم فلا يضمن العروض والحيوان وإنما يضمن ما كان تلفه بسببه مثل طعام أكله أو ثوب لبسه ، والغلة إذا علم أو لم يعلم ليست له بحال ، هو لها ضامن كالغاصب ، وقاله أصبغ وابن عبد الحكم ، قال مطرف : وكل ما أحدث المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فلا يلزم المكره ، وله أخذ متاعه ، وأما الإكراه على قتل مسلم أو جلده أو أخذ ماله أو بيع متاعه فلا عذر فيه ، ولا