بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس هل لك العام في جلاد بني الأصفر ، وقال له وللناس : اغزوا تغنموا بنات الأصفر ، فقال له الجد بن قيس : ائذن لي في التخلف ولا تفتني بذكر بنات الأصفر ، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهن ، ذكر ابن إسحاق ونحو هذا من القول الذي فيه فتور كثير وتخلف في الاعتذار ، وأسند الطبري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ، فقال الجد ائذن ولا تفتنا بالنساء ، وهذا منزع الأول إذا نظر ، وهو أشبه بالنفاق والمحادة ، وقال ابن عباس إن الجد قال : ولكني أعينك بمالي ، وتأول بعض الناس قوله (وَلا تَفْتِنِّي) أي لا تصعب علي حتى أحتاج إلى مواقعة معصيتك ومخالفتك ، فسهل أنت عليّ ودعني غير مجلح ، وهذا تأويل حسن واقف مع اللفظ ، لكن تظاهر ما روي من ذكر بنات الأصفر ، وذلك معترض في هذا التأويل ، وقرأ عيسى بن عمر «ولا تفتني» بضم التاء الأولى قال أبو حاتم هي لغة بني تميم ، والأصفر هو الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام وكان أصفر اللون فيقال للروم بنو الأصفر ، ومن ذلك قول أبي سفيان : أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر ، ومنه قول الشاعر [عدي بن زيد العبادي] : [الخفيف]
وبنو الأصفر الكرام ملوك الر |
|
وم لم يبق منهم مذكور |
وذكر النقاش والمهدوي أن الأصفر رجل من الحبشة وقع ببلاد الروم فتزوج وأنسل بنات لهن جمال وهذا ضعيف ، وقوله : (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي في الذي أظهروا الفرار منه بما تبين لك وللمؤمنين من نفاقهم وصح عندكم من كفرهم وفسد مما بينكم وبينهم ، و (سَقَطُوا) عبارة منبئة عن تمكن وقوعهم ومنه على الخبير سقطت ، ثم قال (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ، وهذا توعد شديد لهم أي هي مآلهم ومصيرهم كيف ما تقلبوا في الدنيا فإليها يرجعون فهي محيطة بهذا الوجه ، وقوله تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) الآية ، أخبر تعالى عن معتقدهم وما هم عليه ، و «الحسنة» هنا بحسب الغزوة هي الغنيمة والظفر ، و «المصيبة» الهزم والخيبة ، واللفظ عام بعد ذلك في كل محبوب ومكروه ، ومعنى قوله : (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) ، أي حزمنا نحن في تخلفنا ونظرنا لأنفسنا ، وقوله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا) الآية ، أمر الله عزوجل نبيه صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية أن يرد على المنافقين ويفسد عليهم فرحهم بأن يعلمهم أن الشيء الذي يعتقدونه مصيبة ليس كما اعتقدوه ، بل الجميع مما قد كتبه الله عزوجل للمؤمنين ، فإما أن يكون ظفرا وسرورا في الدنيا وإما أن يكون ذخرا للآخرة ، وقرأ طلحة بن مصرف «قل هل يصيبنا» ، ذكره أبو حاتم ، وعند ابن جني وقرأ طلحة بن مصرف وأعين قاضي الري «قل لن يصيّبنا» بشد الياء التي بعد الصاد وكسرها كذا ذكر أبو الفتح وشرح ذلك وهو وهم ، والله أعلم.
قال أبو حاتم : قال عمرو بن شفيق سمعت أعين قاضي الري يقرأ «قل لن يصيبنا» النون مشددة ، قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك لأن النون لا تدخل مع لن ، ولو كانت لطلحة بن مصرف لجازت لأنها مع «هل» ، قال الله عزوجل (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) [الحج : ١٥] وقوله : (كَتَبَ اللهُ) يحتمل أن يريد ما قضى وقدر.