وروي عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أنه قال : لما نزلت هذه الآية قرأتها على علي بن أبي طالب ، فتعجب وقال : يا آل غالب ، اتبعوه تفلحوا فو الله ، إن الله أرسله ليأمر بمكارم الأخلاق ، وحكى النقاش قال : يقال زكاة العدل الإحسان ، وزكاة القدرة العفو ، وزكاة الغنى المعروف ، وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه.
قال القاضي أبو محمد : و «العدل» هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع الناس في أداء الأمانات ، وترك الظلم ، والإنصاف وإعطاء الحق ، (وَالْإِحْسانِ) هو فعل كل مندوب إليه ، فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه ، ومنها ما هو فرض ، إلا أن حد الاجزاء منه داخل في العدل ، والتكميل الزائد على حد الاجزاء داخل في الإحسان ، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري : «العدل» لا إله إلا الله ، و (الْإِحْسانِ) أداء الفرائض.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا القسم الأخير نظر ، لأن أداء الفرائض هي الإسلام حسبما فسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حديث سؤال جبريل عليهالسلام ، وذلك هو العدل ، وإنما الإحسان التكميلات والمندوب إليه ، حسبما يقتضيه تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم أنه في حديث سؤال جبريل عليهالسلام ، بقوله : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ، فإن صح هذا عن ابن عباس فإنما أراد أداء الفرائض مكملة (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) لفظ يقتضي صلة الرحم ويعم جميع إسداء الخير إلى القرابة ، وتركه مبهما أبلغ ، لأن كل من وصل في ذلك إلى غاية وإن علت يرى أنه مقصر ، وهذا المعنى المأمور به في جانب (ذِي الْقُرْبى) داخل تحت «العدل» و (الْإِحْسانِ /) ، لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماما به وحضا عليه ، و (الْفَحْشاءِ) الزنى ، قاله ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد : وغيره من المعاصي التي شنعتها ظاهرة وفاعلها أبدا متستر بها ، وكأنهم خصوها بمعاني الفروج ، والمنكر أعم منه ، لأنه يعم جميع المعاصي والرذائل والإذايات على اختلاف أنواعها ، و (الْبَغْيِ) هو إنشاء ظلم الإنسان والسعاية فيه ، وهو داخل تحت (الْمُنْكَرِ) لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماما به لشدة ضرره بالناس ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا ذنب أسرع عقوبة من بغي» ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «الباغي مصروع ، وقد وعد الله تعالى من بغي عليه بالنصر» ، وفي بعض الكتب المنزلة : لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا.
قال القاضي أبو محمد : وتغيير المنكر فرض على الولاة ، إلا أن المغير لا يعنّ لمستور ، ولا يعمل ظنا ، ولا يتجسس ، ولا يغير إلا ما بدت صفحته ، ويكون أمره ونهيه بمعروف ، وهذا كله لغير الولاة ألزم وفرض على المسلمين عامة ، ما لم يخف المغير إذاية أو ذلا ، ولا يغير المؤمن بيده ما وجد سلطانا ، فإن عدمه غير بيده ، إلا أنه لا يصل إلى نصب القتال والمدارأة وإعمال السلاح إلا مع الرياسة والإمام المتبع ، وينبغي للناس أن يغير المنكر منهم كل أحد تقي وغير تقي ، ولو لم يغير إلا تقي لم يتغير منكر في الأغلب ، وقد ذم الله تعالى قوما بأنهم لم يتناهوا عن منكر فعلوه ، فقد وصفهم بفعله وذمهم لما لم يتناهوا عنه وكل منكر فيه مدخل للنظر فلا مدخل لغير حملة العلم فيه ، فهذه نبذة من القول في تغيير المنكر تضمنت ثمانية