جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٧٩)
هذا مثل لله عزوجل والأصنام ، فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق ، و «الكلّ» الثقل والمئونة ، وكل محمول فهو كلّ ، وسمي اليتيم كلا ، ومنه قول الشاعر : [الطويل]
أكول لمال الكلّ قبل شبابه |
|
إذا كان عظم الكلّ غير شديد |
كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ثم لا يأتي من جهتها خير البتة ، هذا قول قتادة ، وقال ابن عباس : هو مثل للكافر ، وقرأ ابن مسعود «يوجه» ، وقرأ علقمة «يوجّه» وقرأ الجمهور ، «يوجهه» ، وهي خط المصحف ، وقرأ يحيى بن وثاب «يوجّه» ، وقرأ ابن مسعود أيضا «توجهه» على الخطاب ، وضعف أبو حاتم قراءة علقمة لأنه لازم ، والذي (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) هو الله تعالى ، وقال ابن عباس : هو المؤمن. و «الصراط» الطريق ، وقوله (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية ، أخبر الله تعالى أن الغيب له يملكه ويعلمه ، وقوله (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) آية إخبار بالقدرة وحجة على الكفار ، والمعنى على ما قال قتادة وغيره : ما تكون الساعة وإقامتها في قدرة الله إلا أن يقول لها كن ، فلو اتفق أن يقف على ذلك محصل من البشر لكانت من السرعة بحيث يشك هل هي كلمح البصر أو هي أقرب من ذلك ، ف (أَوْ) على هذا على بابها في الشك ، وقيل هي للتخيير ، و «لمح البصر» هو وقوعه على المرئي ، وقوى هذا الإخبار بقوله (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ومن قال (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) له وما إتيانها ووقوعها بكم على جهة التخويف من حصولها ففيه بعد وتجوز كثير ، وبعد من قول النبي صلىاللهعليهوسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين» ، ومن ذكره ما ذكر من أشراط الساعة ومهلتها ، ووجه التأويل أن القيامة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب (كَلَمْحِ الْبَصَرِ) كما يقال : ما السنة إلا لحظة ، إلا أن قوله (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) يرد أيضا هذه المقالة ، وقوله (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ) الآية ، آية تعديد نعمة بينة لا ينكرها عاقل ، وهي نعمة معها كفرها وتصريفها في الإشراك بالذي وهبها ، فالله عزوجل أخبر بأنه أخرج ابن آدم لا يعلم شيئا ، ثم جعل حواسه التي قد وهبها له في البطن سلما إلى درك المعارف ، ليشكر على ذلك ويؤمن بالمنعم عليه ، و «أمهات» أصله أمات ، وزيدت الهاء مبالغة وتأكيدا ، كما زادوا الهاء في أهرقت الماء ، قاله أبو إسحاق ، وفي هذا المثل نظر وقول غير هذا ، وقرأ حمزة والكسائي «إمهاتكم» بكسر الهمزة ، وقرأ الأعمش «في بطون امّهاتكم» بحذف الهمزة وكسر الميم المشددة ، وقرأ ابن أبي ليلى بحذف الهمزة وفتح الميم مشددة ، قال أبو حاتم : حذف الهمزة ردي ولكن قراءة ابن أبي ليلى أصوب والترجي الذي في «لعل» هو بحسبنا ، وهذه الآية تعديد نعم وموضع اعتبار ، وقوله «ا لم تروا إلى الطير» الآية ، وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش وابن هرمز «ألم تروا» بالتاء ، وقرأ أهل مكة والمدينة «ألم يروا» بالياء على الكناية عنهم ، واختلف عن الحسن وعاصم وأبي عمرو وعيسى الثقفي ، و «الجو» مسافة ما بين السماء والأرض ، وقيل هو ما يلي الأرض منها ، وما فوق ذلك هو اللوح ، و «الآية» عبرة بينة تفسيرها تكلف بحت.