لهم يا محمد. قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة ، وقوله (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ) الآية ، آية تعديد نعم ، و «الأزواج» الزوجات ، ولا يترتب في هذه الآية الأنواع ولا غير ذلك ، وقوله (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) يحتمل أن يريد خلقته حواء من نفس آدم وجسمه ، فمن حيث كانا مبتدأ الجميع ساغ حمل أمرهما على الجميع حتى صار الأمر كأن النساء خلقن من أنفس الرجال ، وهذا قول قتادة ، والأظهر عندي أن يريد بقوله (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، أي من نوعكم وعلى خلقتكم ، كما قال تعالى (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] وقوله (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ) ، ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء ، واختلف الناس في قوله (وَحَفَدَةً) فقال ابن عباس : «الحفدة» أولاد البنين ، وقال الحسن : هم بنوك وبنو بنيك ، وقال ابن مسعود وأبو الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير : «الحفدة» الأصهار وهم قرابة الزوجة ، وقال مجاهد : «الحفدة» الأنصار والأعوان والخدم ، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم ، قال الزهراوي لأنهن خدم الأبوين لأن لفظة البنين لا تدل عليهن ، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٤٦] وإنما الزينة في الذكور ، وقال ابن عباس أيضا : «الحفدة» أولاد زوجة الرجل من غيره ، ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعة ومنه في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، والحفدان خبب فوق المشي ، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر : [الكامل]
حفد الولائد بينهن وأسلمت |
|
بأكفهن أرمة الإجمال |
ومنه قول الآخر : [البسيط]
كلفت مجهولها نوقا ثمانية |
|
إذا الحداة على أكسائها حفدوا |
قال القاضي أبو محمد : وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنيت على أن كل أحد جعل له من زوجه بنون وحفدة ، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس ، ويحتمل عندي أن قوله : (مِنْ أَزْواجِكُمْ) إنما هو على العموم والاشتراك ، أي من أزواج البشر جعل الله لهم البنين ، ومنهم جعل الخدمة فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة ، وحصل تحت النعمة ، وأولئك الحفدة هم من الأزواج ، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم ، وتستقيم لفظة «الحفدة» على مجراها في اللغة ، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة ، وقالت فرقة : «الحفدة» هم البنون.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم ، كما لو قال جعلنالهم بنين وأعوانا أي وهم لهم أعوان ، فكأنه قال : وهم حفدة وقوله (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يريد الله : من الأشياء التي تطيب لمن رزقها ، ولا يقتصر هنا على الحلال لأنهم كفار لا يكتسبون بشرع ، وفي هذه الآية رد على من قال من المعتزلة : إن الرزق إنما يكون الحلال فقط ، و (لَكُمْ) تعلق في لفظة (مِنْ) إذ هي للتبعيض ، فيقولون : ليس الرزق المعدد عليهم من جميع ما بأيديهم إلا ما كان حلالا ، وقرأ الجمهور «يؤمنون» ، وتجيء الآية على هذه القراءة توقيفا لمحمد صلىاللهعليهوسلم على إيمانهم بالباطل وكفرهم بنعمة الله ، وقرأ أبو عبد الرحمن «تؤمنون» بالتاء من فوق ، ورويت عن عاصم على معنى قل لهم يا محمد ، ويجيء قوله بعد ذلك (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) إخبارا مجردا عنهم وحكما عليهم لا توفيقا ، وقد