قال القاضي أبو محمد : والصواب إذا قدرنا الكلام غير معلق بما قبله أن اللفظة تعم هذا وغيره ، وذلك أن كل ما دل على شيء وأعلم به فهو علامة ، وأحسن الأقوال المذكورة ، قول ابن عباس رضي الله عنه : لأنه عموم في المعنى فتأمله ، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع بعض أهل العلم بالمشرق يقول :
إن في بحر الهند الذي يجرى فيه من اليمن إلى الهند حيتانا طوالا رقاقا كالحيات في التوائها وحركتها وألوانها ، وإنها تسمى علامات ، وذلك أنها علامة الوصول إلى بلد الهند ، وأمارة إلى النجاة والانتهاء إلى الهند لطول ذلك البحر وصعوبته ، وإن بعض الناس قال : إنها التي أراد الله تعالى في هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد : قال أبي رضي الله عنه : وأما من شاهد تلك العلامات في البحر المذكور وعاينها فحدثني منهم عدد كثير ، وقرأ الجمهور «وبالنجم» على أنه اسم الجنس ، وقرأ يحيى بن وثاب «وبالنّجم» بضم النون والجيم ساكنة على التخفيف من ضمها ، وقرأ الحسن «وبالنّجم» بضم النون وذلك جمع ، كسقف وسقف ، ورهن ورهن ، ويحتمل أن يراد وبالنجوم ، فحذفت الواو.
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي توجيه ضعيف ، وقال الفراء : المراد الجدي والفرقدان. وقال غيره : المراد القطب الذي لا يجري ، وقال قوم : غير هذا ، وقال قوم : هو اسم الجنس وهذا هو الصواب ، ثم قررهم على التفرقة بين من يخلق الأشياء ويخترعها وبين من لا يقدر على شيء من ذلك ، وعبر عن الأصنام ب «من» لوجهين ، أحدهما أن الآية تضمنت الرد على جميع من عبد غير الله ، وقد عبرت طوائف من تقع عليه العبارة ب «من» ، والآخر أن العبارة جرت في الأصنام بحسب اعتقاد الكفرة فيها في أن لها تأثيرا وأفعالا ، ثم وبخهم بقوله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ، وقوله (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي إن حاولتم إحصاءها وحصرها عددا حتى لا يشذ شيء منها لم تقدروا على ذلك ، ولا اتفق لكم إحصاؤها إذ هي في كل دقيقة من أحوالكم. و «النعمة» هنا مفردة يراد بها الجمع ، وبحسب العجز عن عد نعم الله يلزم أن يكون الشاكر لها مقصرا عن بعضها ، فلذلك قال عزوجل (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي تقصيركم في الشكر عن جميعها ، نحا هذا المنحى الطبري ، ويرد عليه أن نعمة الله تعالى في قول العبد : الحمد لله رب العالمين مع شروطها من النية والطاعة يوازي جميع النعم ، ولكن أين قولها بشروطها؟ والمخاطبة بقوله (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) عامة لجميع الناس ، وقوله (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) الآية متصلة بمعنى ما قبله ، أي أن الله لغفور في تقصيركم عن شكر ما لا تحصونه من نعم الله ، وأن الله تعالى يعلم سركم وعلنكم ، فيغني ذلك عن إلزامكم شكر كل نعمة ، هذا على قراءة من قرأ «تسرون» بالتاء مخاطبة للمؤمنين ، فإن جمهور القراء قرأ «تسرون» بالتاء من فوق «وتعلنون» و «تدعون» كذلك ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر ومجاهد على معنى قل يا محمد للكفار ، وقرأ عاصم «تسرون» و «تعلنون» بالتاء من فوق و «يدعون» بياء من تحت على غيبة الكفار ، وهي قراءة الحسن بن أبي الحسن ، وروى هبيرة عن حفص عن عاصم ، كل ذلك بالياء على غيبة الكفار ، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم كل ذلك بالتاء من فوق ، وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله «يعلم الذي تبدون وما تكتمون وتدعون» بالتاء من فوق في الثلاثة ، و «تدعون معناه تدعونه إلها ، وعبر عن الأصنام ب (الَّذِينَ) على ما قدمنا من أن ذلك يعم الأصنام وما عبد من دون الله وغيرها ، وقوله تعالى : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أجمع عبارة في نفي أحوال