عن ذلك السقي الشجر ، وهذا من التجوز ، كقول الشاعر : [الرجز]
أسنمة الآبال في ربابه
وكما سمى الآخر العشب سماء ، في قوله : [الوافر]
إذا نزل السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا |
قال أبو إسحاق : يقال لكل ما نبت على الأرض شجر ، وقال عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ. و (تُسِيمُونَ) معناه ترعون أنعامكم وسومها من الرعي وتسرحونها ، ويقال للأنعام السائمة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وفي سائمة الغنم الزكاة ، يقال أسام الرجل ماشيته إسامة إذا أرسلها ترعى ، وسومها أيضا وسامت هي ، ومن ذلك قول الأعشى :
ومشى القوم بالأنعام إلى الرّو |
|
حى وأعيى المسيم أين المساق |
ومنه قول الآخر : [الكامل]
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله |
|
أولى لك ابن مسيمة الأجمال |
أي راعية للأجمال وفسر المتأولون بترعون ، وقرأ الجمهور «ينبت» بالياء على معنى ينبت الله ، يقال نبت الشجر وأنبته الله ، وروي أنبت الشجر بمعنى نبت ، وكان الأصمعي يأبى ذلك ويتمم قصيدة زهير التي فيها : حتى إذا أنبت البقل ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، «ننبت» بنون العظمة ، وخص عزوجل ذكر هذه الأربعة لأنها أشرف ما ينبت وأجمعها للمنافع ، ثم عم بقوله (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، ثم أحال القول على الفكرة في تصاريف النبات والأشجار وهي موضع عبر في ألوانها واطراد خلقها وتناسب ألطافها ، فسبحان الخلاق العليم. وقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) الآية ، قرأ الجمهور بإعمال (سَخَّرَ) في جميع ما ذكر ونصب «مسخرات» على الحال المؤكدة ، كما قال تعالى : (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [فاطر : ٣١] وكما قال الشاعر : [البسيط]
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي
ونحو هذا وقرأ ابن عامر «والشمس والقمر والنجوم مسخرات» برفع هذا كله ، وقرأ حفص عن عاصم «والنجوم مسخرات بأمره» بالرفع ونصب ما قبل ذلك ، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار ، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى ، وأما النجوم فهدايات ، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم ، ومن النعمة بها ضياؤها أحيانا ، قال الزجاج : وعلم عدد السنين والحساب بها.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف «والرياح مسخرات» في موضع «النجوم» ، ثم قال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر ، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئا واحدا يعم تلك الأربعة وهو النبات ، وكذلك