قال القاضي أبو محمد : وأظنها تصحيفا. و «الأثقال» الأمتعة ، وقيل المراد هنا الأجسام كقوله (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢] أي أجسام بني آدم.
قال القاضي أبو محمد : واللفظ يحتمل المعنيين ، قال النقاش : ومنه سمي الإنس والجن الثقلين ، وقوله (إِلى بَلَدٍ) أي بلد توجهتم بحسب اختلاف أغراض الناس ، وقال عكرمة وابن عباس والربيع بن أنس : المراد مكة ، وفي الآية على هذا حض على الحج. و «الشق» المشقة ، ومنه قول الشاعر [النمر بن تولب] : [الطويل]
وذي إبل يسعى ويحسبها له |
|
أخي نصب من شقها ودؤوب |
أي من مشقتها ، ويقال فيها شق وشق أي مشقة ، وقرأ أبو جعفر القاري وعمرو بن ميمون وابن أرقم ومجاهد والأعرج «بشق الأنفس» بفتح الشين ، ورويت عن نافع وأبي عمرو ، وذهب الفراء إلى أن معنى (بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أي بذهاب نصفها ، كأنه قد دأبت نصبا وتعبا.
قال القاضي أبو محمد : كما تقول لرجل لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك وبقطعة من كبدك ونحو هذا من المجاز ، وذهبوا في فتح الشين إلى أنه مصدر شق يشق ، ثم أوجب رأفة الله ورحمته في هذه النعم التي أذهبت المشقات ورفعت الكلف ، وقوله (وَالْخَيْلَ) عطف أي وخلق الخيل ، وقرأ ابن أبي عبلة ، «والخيل والبغال والحمير» بالرفع في كلها ، وسميت الخيل خيلا لاختيالها في المشية ، أفهمه أعرابي لأبي عمرو بن العلاء ، وقوله (وَزِينَةً) نصب بإضمار فعل ، قيل تقديره وجعلنا زينة ، وقرأ ابن عياض «لتركبوها زينة» دون واو ، والنصب حينئذ على الحال من الهاء في تركبوها وقوله (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) عبرة منصوبة على العموم ، أي أن مخلوقات الله من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمها بشر ، بل ما يخفى عنه أكثر مما يعلمه ، وقد روي أن الله تعالى خلق ألف نوع من الحيوان منها في البر أربعمائة ، وبثها بأعيانها في البحر ، وزاد فيه مائتين ليست في البر.
وكل من خصص في تفسير هذه الآية شيئا ، كقول من قال سوس الثياب وغير ذلك فإنما هو على جهة المثال ، لا أن ما ذكره هو المقصود في نفسه. قال الطبري : (ما لا تَعْلَمُونَ) هو ما أعد الله في الجنة لأهلها ، وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر ، واحتج بهذه الآية مالك رحمهالله ومن ذهب مذهبه في كراهة لحوم الخيل والبغال والحمير أو تحريمها بحسب الاختلاف في ذلك ، وذكر الطبري عن ابن عباس ، قال ابن جبير : سئل ابن عباس عن لحوم الخيل والبغال والحمير ، فكرهها فاحتج بهذه الآية ، وقال : جعل الله الأنعام للأكل ، وهذه للركوب ، وكان الحكم بن عتبة يقول : الخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله ويحتج بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الحجة غير لازمة عند جماعة من العلماء ، قالوا إنما ذكر الله عزوجل عظم منافع الأنعام ، وذكر عظم منافع هذه وأهم ما فيها ، وليس يقضي ذلك بأن ما ذكر لهذه لا تدخل هذه فيها ، قال الطبري وفي إجماعهم على جواز ركوب ما ذكر للأكل ، دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، ولحوم الخيل عند كثير من العلماء حلال ، وفي جواز أكلها