وما خليج من المروت ذو حدب |
|
يرمي الصعيد بخشب الأيك والضال |
والضمير في قوله (وَإِنَّهُما) يحتمل أن يعود على المدينتين اللتين تقدم ذكرهما : مدينة قوم لوط ، ومدينة أصحاب الأيكة ، ويحتمل أن يعود للنبيين : على لوط وشعيب ، أي أنهما على طريق من الله وشرع مبين. و «الإمام» في كلام العرب الشيء الذي يهتدى به ويؤتم ، يقولونه لخيط البناء ، وقد يكون الطريق ، وقد يكون الكتاب المفيد ، وقد يكون القياس الذي يعمل عليه الصناع ، وقد يكون الرجل المقتدى به ، ونحو هذا ، ومن رأى عود الضمير في (إِنَّهُما) على المدينتين قال «الإمام» الطريق ، وقيل على ذلك «الإمام» الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما ، و (أَصْحابُ الْحِجْرِ) هم ثمود ، وقد تقدم قصصهم ، و (الْحِجْرِ) مدينتهم ، وهي ما بين المدينة وتبوك ، وقال (الْمُرْسَلِينَ) من حيث يجب بتكذيب رسول واحد تكذيب الجميع ، إذ القول في المعتقدات واحد للرسل أجمع ، فهذه العبارة أشنع على المكذبين ، و «الآية» التي آتاهم الله هي الناقة وما اشتملت عليه من خرق العادة حسبما تقدم تفسيره وبسطه ، وقرأ أبو حيوة «وآتيناهم آيتنا» مفردة ، وقوله تعالى : (وَكانُوا يَنْحِتُونَ) الآية ، يصف قوم صالح بشدة النظر للدنيا والتكسب منها فذكر من ذلك مثالا أن بيوتهم كانوا ينحتونها في حجر الجبال ، و «النحت» النقر بالمعاول ونحوها في الحجارة والعود ونحوه ، وقرأ جمهور الناس «ينحتون» بكسر الحاء ، وقرأ الحسن «ينحتون» بفتحها ، وذلك لأجل حرف الحلق ، وهي قراءة أبي حيوة ، وقوله (آمِنِينَ) قيل معناه من انهدامها ، وقيل من حوادث الدنيا ، وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمال.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله ضعيف ، وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة. فكانوا لا يعملون بحسبها ، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها ، ومعنى (مُصْبِحِينَ) أي عند دخولهم في الصباح ، وذكر أن ذلك كان يوم سبت ، وقد تقدم قصص عذابهم وميعادهم وتغير ألوانهم ، ولم تغن عنهم شدة نظرهم للدنيا وتكسبهم شيئا ، ولا دفع عذاب الله ، و (ما) الأولى تحتمل النفي وتحتمل التقرير ، والثانية مصدرية ، وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية ، المراد أن هؤلاء المكتسبين للدنيا الذين لم يغن عنهم اكتسابهم ليسوا في شيء ، فإن السماوات والأرض وجميع الأشياء لم تخلق عبثا ولا سدى ، ولا لتكون طاعة الله كما فعل هؤلاء ونظراؤهم ، وإنما خلقت بالحق ولواجب مراد وأغراض لها نهايات من عذاب أو تنعيم (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) على جميع أمور الدنيا ، أي فلا تهتم يا محمد بأعمال قومك فإن الجزاء لهم بالمرصاد ، (فَاصْفَحِ) عن أعمالهم ، أي ولّها صفحة عنقك بالإعراض عنها ، وأكد الصفح بنعت الجمال إذ المراد منه أن يكون لا عتب فيه ولا تعرض.
وهذه الآية تقتضي مداهنة ، ونسخها في آية السيف قاله قتادة ، ثم تلاه في آخر الآية بأن الله تعالى يخلق من شاء لما شاء ويعلم تعالى وجه الحكمة في ذلك لا هذه الأوثان التي يعبدونها ، وقرأ جمهور الناس «الخلاق» ، وقرأ الأعمش والجحدري «الخالق».
قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ