و (ضَرَبَ) هذه تتعدى إلى مفعولين ، لأنها بمنزلة جعل ونحوه إذ معناها
: جعل ضربها. وقال المهدوي: (مَثَلاً) مفعول ، و (كَلِمَةً) بدل منه.
قال القاضي أبو
محمد : وهذا على أنها تتعدى إلى مفعول واحد ، وإنما أوهم في هذا قلة التحرير في (ضَرَبَ) هذه.
والكاف في قوله : (كَشَجَرَةٍ) في موضع الحال ، أي مشبهة شجرة.
قال القاضي أبو
محمد : وقال ابن عباس وغيره : «الكلمة الطيبة» هي لا إله إلا الله ، مثلها الله ب «الشجرة
الطيبة» ، وهي النخلة في قول أكثر المتأولين ، فكأن هذه الكلمة (أَصْلُها ثابِتٌ) في قلوب المؤمنين ، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال
الزكية والحسنة وما يتحصل من عفو الله ورحمته ـ هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل
العبد ، ويتنزل بها من قبل الله تعالى.
وقرأ أنس بن مالك «ثابت
أصلها» وقالت فرقة : إنما مثل الله ب «الشجرة الطيبة» المؤمن نفسه ، إذ «الكلمة
الطيبة» لا تقع إلا منه ، فكأن الكلام كلمة طيبة وقائلها. وكأن المؤمن ثابت في
الأرض وأفعاله وأقواله صاعدة ، فهو كشجرة فرعها في السماء ، وما يكون أبدا من
المؤمن من الطاعة ، أو عن الكلمة من الفضل والأجر والغفران هو بمثابة الأكل الذي
تأتي به كل حين.
وقوله عن الشجرة (وَفَرْعُها فِي
السَّماءِ) أي في الهواء نحو السماء ، والعرب تقول عن المستطيل نحو
الهواء ، وفي الحديث : خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعا ، وفي كتاب سيبويه
: والقيدودة : الطويل في غير سماء.
قال القاضي أبو
محمد : كأنه انقاد وامتد.
وقال أنس بن مالك
وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : «الشجرة الطيبة» في هذه
الآية هي النخلة ، وروي ذلك في أحاديث وقال ابن عباس أيضا : هي شجرة في الجنة.
قال القاضي أبو
محمد : ويحتمل أن تكون شجرة غير معينة إلا أنها كل ما اتصف بهذه الصفات فيدخل في
ذلك النخلة وغيرها. وقد شبه الرسول عليهالسلام المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة ، فلا يتعذر أيضا أن
يشبه بشجرتها. و «الأكل» الثمر وقرأ عاصم وحده «أكلها» بضم الكاف.
وقوله : (كُلَّ حِينٍ) : «الحين» في اللغة ـ القطيع من الزمن غير محدد كقوله
تعالى : (هَلْ
أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ) [الإنسان : ١]
وكقوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ
نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨]. وقد
تقتضي لفظة الحين بقرينتها تحديدا ، كهذه الآية ، فإن ابن عباس وعكرمة ومجاهدا
والحكم وحمادا وجماعة من الفقهاء قالوا : من حلف ألا يفعل شيئا حينا فإنه لا يفعله
سنة ، واستشهدوا بهذه الآية (تُؤْتِي
أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) أي كل سنة ، وقال ابن عباس وعكرمة والحسن : أي كل ستة أشهر
، وقال ابن المسيب : الحين شهران لأن النخلة تدوم مثمرة شهرين ، وقال ابن عباس
أيضا والضحاك والربيع بن أنس : (كُلَّ
حِينٍ) أي غدوة وعشية ومتى أريد جناها.