غلبتها وكيف وسعت السمان في بطون العجاف ، وكان يرى (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) وقد التفت بها سبع يابسات ، حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضا لذلك.
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) أي تأويل هذه الرؤيا ، فيزول هم الملك لذلك وهم الناس. وقيل : (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سببا لتخلصك.
وقوله تعالى : (قالَ تَزْرَعُونَ) الآية ، تضمن هذا الكلام من يوسف عليهالسلام ثلاثة أنواع من القول :
أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ).
والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله قتادة.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل هذا ألا يكون غيبا ، بل علم العبارة ، أعطى انقطاع الجدب بعد سبع ، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف ، كما أعطى أن النهر مثال للزمان. إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالا للسنين.
و (دَأَباً) معناه : ملازمة لعادتكم في الزراعة ، ومنه قول امرئ القيس : [الطويل]
كدأبك من أم الحويرث قبلها ....................... البيت
وقرأ جمهور السبعة «دأبا» بإسكان الهمزة ، وقرأ عاصم وحده «دأبا» بفتح الهمزة ، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة ، وهما مثل : نهر ونهر. والناصب لقوله : (دَأَباً تَزْرَعُونَ) ، عند أبي العباس المبرد ، إذ في قوله (تَزْرَعُونَ) تدأبون ، وهي عنده مثل قولهم : قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ؛ وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر ، كأنه قال : تزرعون تدأبون دأبا.
وقوله (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ) هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب ، ويؤكل الأقدم فالأقدم ؛ فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر ، وادخروا أيضا الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته ، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس ، وإلى هذه السنين أشار النبي عليهالسلام في دعائه على قريش : «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» ، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء حتى دعا لهم النبي عليهالسلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين ، وروي أن يوسف عليهالسلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره ، قال له الملك : قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة ، فكان هذا أول ما ولي يوسف.
وأسند الأكل في قوله : (يَأْكُلْنَ) إلى السنين اتساعا من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [النمل : ٨٦ ، يونس : ٦٧ ، غافر : ٦١] وكما قال : نهارك بطال وليلك قائم ؛ وهذا كثير في كلام