(إِنِّي
أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات : ١٠٤].
وحكيت حال ماضية ف (أَرى) وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا. (سَبْعَ بَقَراتٍ
سِمانٍ) يروى أنه قال : رأيتها خارجة من نهر ، وخرجت وراءها (سَبْعٌ عِجافٌ) ، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى
«السنابل» أيضا كما ذكر ، و «العجاف» التي بلغت غاية الهزال ، ومنه قول الشاعر : [الكامل]
ورجال مكة مسنتون عجاف
ثم قال لجماعته
وحاضريه : (يا
أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي).
قرأت فرقة بتحقيق
الهمزتين ، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف «أفتوني» واوا.
وقوله (لِلرُّءْيا) دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط ، وذلك أن المفعول إذا
تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام ، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك. و «عبارة
الرؤيا» مأخوذة من عبر النهر ، وهو تجاوزه من شط إلى شط ، فكأن عابر الرؤيا ينتهي
إلى آخر تأويلها.
وقوله : (قالُوا : أَضْغاثُ
أَحْلامٍ) الآية ، «الضغث» في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من
القبضة من النبات والعشب ونحوه ، وربما كان ذلك من جنس واحد. وربما كان من أخلاط
النبات ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَخُذْ
بِيَدِكَ ضِغْثاً) [ص : ٤٤] وروي أنه
أخذ عثكالا من النخل ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن ، ومن ذلك قول ابن
مقبل : [الكامل]
خود كأنّ فراشها
وضعت به
|
|
أضغاث ريحان
غداة شمال
|
ومن الأخلاط قول
العرب في أمثالها : ضغث على إبالة فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات
، والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم ، ولسنا من
أهل العلم بذلك ، أي بما هو مختلط ورديء ؛ فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا
عبر الرؤيا على الإطلاق ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان». وقال للذي كان يرى
رأسه يقطع ثم يرده فيرجع : «إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك».
قال القاضي أبو
محمد : فالأحلام وحدثان النفس ملغاة ، والرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها.
والباء في قولهم (بِعالِمِينَ) للتأكيد ، وفي قولهم : (بِتَأْوِيلِ) للتعدية وهي متعلقة بقولهم (بِعالِمِينَ).
و (الْأَحْلامِ) جمع حلم ، يقال : حلم الرجل ـ بفتح اللام ـ يحلم : إذا خيل
إليه في منامه ، والأحلام مما أثبتته الشريعة ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرؤيا من الله وهي المبشرة والحلم المحزن من الشيطان ،
فإذا رأى أحدكم ما يكره ، فليتفل على يساره ثلاث مرات وليقل : أعوذ بالله من شر ما
رأيت ، فإنها لا تضره». وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه.
ولما سمع الساقي ـ
الذي نجا ـ هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه ، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام
والرؤى ، فقال مقالته في هذه الآية.