وقوله : (إِلَّا أَسْماءً) ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء.
قال القاضي أبو محمد : والاسم الذي هو ألف وسين وميم ـ قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين ، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى ، وليس الاسم ـ على هذا ـ بمنزلة التسمية التي هي رجل وحجر ، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة ، فيحتمل أن يريد : إلا ذوات أسماء ، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ ويحتمل ـ وهو الراجح المختار إن شاء الله ـ أن يريد : ما تعبدون من دونه ألوهية ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة ، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة ، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء ، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم ، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم ؛ فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية ، ومن هذه الآية وهم من قال ـ في قولنا : رجل وحجر ـ إن الاسم هو المسمى في كل حال ، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق.
ومفعول «سميتم» الثاني محذوف ، تقديره : آلهة ، هذا على أن «الأسماء» يراد بها ذوات الأصنام ، وأما على المعنى المختار ـ من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام ـ فقوله (سَمَّيْتُمُوها) بمنزلة وضعتموها ، فالضمير للتسميات ، ووكد الضمير ليعطف عليه.
وال (سُلْطانٍ) الحجة ، وقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء ، أي فما بالها إذن؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى وليس لهم تعدي أمر الله في أن لا يعبد غيره ، و (الْقَيِّمُ) معناه : المستقيم. و (أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لجهالتهم وغلبة الكفر.
ثم نادى (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب ، فروي أنه قال لنبو : أما أنت فتعود إلى مرتبتك وسقاية ربك ، وقال لمجلث : أما أنت فتصلب ، وذلك كله بعد ثلاث ، فروي أنهما قالا له : ما رأينا شيئا وإنما تحالمنا لنجربك ؛ وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب ؛ وقيل : كانا رأيا ثم أنكرا.
وقرأت فرقة : «يسقي ربه» من سقى ، وقرأت فرقة من أسقى ، وهما لمعنى واحد لغتان وقرأ عكرمة والجحدري : «فيسقى ربه خمرا» بضم الياء وفتح القاف أي ما يرويه.
وأخبرهما يوسف عليهالسلام عن غيب علمه من قبل الله تعالى : إن الأمر قد قضي ووافق القدر.
وقوله : (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ) الآية. «الظن» هاهنا ـ بمعنى اليقين ، لأن ما تقدم من قوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ) يلزم ذلك ، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود : وقال قتادة : «الظن» ـ هنا ـ على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن.
قال القاضي أبو محمد : وقول يوسف عليهالسلام : (قُضِيَ الْأَمْرُ) دال على وحي ولا يترتب قول