استدلال ما ، والعادة أنه لا يعبر بآية إلا فيما ظهوره في غاية الوضوح ، وقد تقع (الْآياتِ) أيضا على المبينات كانت في أي حد اتفق من الوضوح.
ويحتمل أن يكون معنى قوله : (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) أي من بعد ما ظهر لهم من وجوه الأمر وقرائنه أن يوسف بريء ، فلم يرد تعيين آية بل قرائن جميع القصة.
و «الحين» في كلام العرب وفي هذه الآية الوقت من الزمن غير محدود يقع للقليل والكثير ، وذلك بين موارده في القرآن ؛ وقال عكرمة «الحين» ـ هنا ـ يراد به سبعة أعوام ، وقيل : بل يراد بذلك سنة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب ما كشف الغيب في سجن يوسف.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقرأ «عتى حين» بالعين ـ وهي لغة هذيل ـ فقال له : من أقرأك؟ قال : ابن مسعود ، فكتب عمر إلى ابن مسعود : إن الله أنزل القرآن عربيا بلغة قريش ، فبها أقرئ الناس ، ولا تقرئهم بلغة هذيل ، وروي عن ابن عباس أنه قال : عثر يوسف عليهالسلام ثلاث عثرات : (هَمَ) [يوسف : ٢٤] فسجن ، وقال : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) [يوسف : ٤٢](فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف : ٤٢] فطول سجنه ، وقال : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠] فروجع : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧].
وقوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ) الآية ، المعنى : فسجنوه فدخل معه السجن غلامان سجنا أيضا ، وهذه «مع» تحتمل أن تكون باقتران وقت الدخول ، وأن لا تكون بل دخلوا أفذاذا ، وروي أنهما كانا للملك الأعظم ـ الوليد بن الريان ـ أحدهما : خبازه ، والآخر : ساقيه.
و «الفتى» الشاب ، وقد تقع اللفظة على المملوك وعلى الخادم الحر ، ويحتمل أن يتصف هذان بجميع ذلك ، واللفظة من ذوات الياء ، وقولهم : الفتوة شاذ. وروي أن الملك اتهمهما بأن الخابز منهما أراد سمه ، ووافقه على ذلك الساقي ، فسجنهما ، قاله السدي ، فلما دخل يوسف السجن استمال الناس فيه بحسن حديثه وفضله ونبله ، وكان يسلي حزينهم ويعود مريضهم ويسأل لفقيرهم ويندبهم إلى الخير ، فأحبه الفتيان ولزماه ، وأحبه صاحب السجن والقيم عليه ، وقال له : كن في أي البيوت شئت فقال له يوسف : لا تحبني يرحمك الله ، فلقد أدخلت علي المحبة مضرات : أحبتني عمتي فامتحنت لمحبتها ، وأحبني أبي فامتحنت لمحبته لي ، وأحبتني امرأة العزيز فامتحنت لمحبتها بما ترى ، وكان يوسف عليهالسلام قد قال لأهل السجن : إني أعبر الرؤيا وأجيد ، فروي عن ابن مسعود أن الفتيين استعملا هاتين المنامتين ليجرباه ؛ وروى عم مجاهد أنهما رأيا ذلك حقيقة ، فأرادا سؤاله ، فقال أحدهما واسمه بنو ، فيما روي ، إني رأيت حبلة من كرم لها ثلاثة أغصان حسان ، فيها عناقيد عنب حسان ، فكنت أعصرها وأسقي الملك ؛ وقال الآخر ، واسمه مجلث ، كنت أرى أني أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز ، والطير تأكل من أعلاه.
وقوله (أَعْصِرُ خَمْراً) قيل : إنه سمى العنب خمرا بالمئال ، وقيل : هي لغة أزد عمان ، يسمون العنب خمرا ، وقال الأصمعي : حدثني المعتمر ، قال : لقيت أعرابيا يحمل عنبا في وعاء ، فقلت : ما تحمل؟ قال : خمرا ، أراد العنب.