المعصية ، وقيل : بل كان البرهان الذي اتعظ به أن زليخا قالت له : مكانك حتى أستر هذا الصنم ـ لصنم كان معها في البيت ـ فإني أستحيي منه أن يراني على هذه الحال ؛ وقامت إليه فسترته بثوب فاتعظ يوسف وقال : من يسترني أنا من الله القائم على كل شيء ، وإذا كنت أنت تفعلين هذا لما لا يعقل فإن أولى أن أستحيي من الله.
و «البرهان» في كلام العرب الشيء الذي يعطي القطع واليقين ، كان مما يعلم ضرورة أم بخبر قطعي أو بقياس نظري ، فهذه التي رويت فيما رآه يوسف براهين.
و (أَنْ) في قوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى) في موضع رفع ، التقدير : لولا رؤيته برهان ربه ، وهذه (لَوْ لا) التي يحذف معها الخبر ، تقديره : لفعل أو لارتكب المعصية. وذهب قوم إلى أن الكلام تم في قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) وأن جواب (لَوْ لا) في قوله : (وَهَمَّ بِها) وأن المعنى : لولا أن رأى البرهان لهمّ أي فلم يهم عليهالسلام ، وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف. قال الزجّاج : ولو كان الكلام : ولهمّ بها لولا ، لكان بعيدا ، فكيف مع سقوط اللام!.
والكاف من قوله : (كَذلِكَ) متعلقة بمضمر تقديره : جرت أفعالنا وأقدارنا (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ) ، ويصح أن تكون الكاف في موضع رفع بتقدير : عصمتنا له كذلك لنصرف.
وقرأ الجمهور «لنصرف» بالنون ، وقرأ الأعمش «ليصرف» بالياء ـ على الحكاية عن الغائب ـ ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء «المخلصين» بكسر اللام في كل القرآن ، وكذلك (مُخْلَصاً) [مريم : ٥١] في سورة مريم. وقرأ نافع مخلصا [الزمر : ٢ ـ ١١ ـ ١٤ ، مريم : ٥١] كذلك بكسر اللام ، وقرأ سائر القرآن «المخلصين» بفتح اللام ، وقرأ حمزة والكسائي وجمهور من القراء «المخلصين» بفتح اللام و «مخلصا» كذلك في كل القرآن.
وقوله تعالى : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) الآية ، (وَاسْتَبَقَا) معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب ، هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها ؛ فقبضت في أعلى قميصه من خلفه ، فتخرق القميص عند طوقه ، ونزل التخريق إلى أسفل القميص. و «القد» : القطع ، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولا ، «والقط» يستعمل فيما كان عرضا ، وكذلك هي اللفظة في قول النابغة :
تقد السلوقي
فإن قوله : توقد بالصفاح يقتضي أن القطع بالطول. و (أَلْفَيا) : وجدا ، و «السيد» الزوج ، قاله زيد بن ثابت ومجاهد. فيروى أنهما وجدا العزيز ورجلا من قرابة زليخا عند الباب الذي استبقا إليه قاله السدي. فلما رأت الفضيحة فزعت إلى مطالبة يوسف والبغي عليه ، فأرت العزيز أن يوسف أرادها ، وقالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وتكلمت في الجزاء ، أي أن الذنب ثابت متقرر. وهذه الآية تقتضي بعظم موقع السجن من النفوس لا سيما بذوي الأقدار ، إذ قرن بأليم العذاب.