وأنشد أبو الفتح وغيره في ذلك :
يطوّف بي كعب في معد |
|
ويطعن بالصملة في قفيا |
فإن لم تثأروا لي في معد |
|
فما أرويتما أبدا صديا |
وقرأ حمزة والكسائي «يا بشري» ويميلان ولا يضيفان. وقرأ عاصم كذلك إلا أنه يفتح الراء ولا يميل ، واختلف في تأويل هذه القراءة فقال السدي : كان في أصحاب هذا «الوارد» رجل اسمه بشرى ، فناداه وأعلمه بالغلام ، وقيل : هو على نداء البشرى ـ كما قدمنا ـ والضمير في قوله : (وَأَسَرُّوهُ) ظاهر الآيات أنه ل «وارد» الماء ، ـ قاله مجاهد ، وقال : إنهم خشوا من تجار الرفقة إن قالوا : وجدناه أن يشاركوهم في الغلام الموجود.
قال القاضي أبو محمد : هذا إن كانوا فسقة أو يمنعوهم من تملكه إن كانوا خيارا ، فأسروا بينهم أن يقولوا : أبضعه معنا بعض أهل المصر.
و (بِضاعَةً) حال ، و «البضاعة» : القطعة من المال يتجر فيها بغير نصيب من الربح ، مأخوذة من قولهم : بضعت أي قطعت. وقيل : إنهم أسروا في أنفسهم يتخذونه بضاعة لأنفسهم أي متجرا ، ولم يخافوا من أهل الرفقة شيئا ؛ ثم يكون الضمير في قوله : (وَشَرَوْهُ) لهم أيضا ، أي باعوه بثمن قليل ، إذ لم يعرفوا حقه ولا قدره ، بل كانوا زاهدين فيه ، وروي ـ على هذا ـ أنهم باعوه من تاجر. وقال مجاهد : الضمير في (أَسَرُّوهُ) لأصحاب «الدلو» ، وفي (شَرَوْهُ) لإخوة يوسف الأحد عشر ، وقال ابن عباس : بل الضمير في (أَسَرُّوهُ) و (شَرَوْهُ) لإخوة يوسف.
قال القاضي أبو محمد : وذلك أنه روي أن إخوته لما رجعوا إلى أبيهم وأعلموه رجع بعضهم إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ، ويقفوا على الحقيقة من فقده فلما علموا أن الوراد قد أخذوه جاؤوهم فقالوا : هذا عبد أبق لأمنا ووهبته لنا ونحن نبيعه منكم ، فقارهم يوسف على هذه المقالة خوفا منهم ، ولينفذ الله أمره ؛ فحينئذ أسره إخوته إذ جحدوا إخوته فأسروها ، واتخذوه (بِضاعَةً) أي متجرا لهم ومكسبا (وَشَرَوْهُ) أيضا (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) ، أي باعوه.
وقوله (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) إن كانت الضمائر لإخوة يوسف ففي ذلك توعد ، وإن كانت الضمائر للواردين ففي ذلك تنبيه على إرادة الله تعالى ليوسف ، وسوق الأقدار بناء حاله ، فهو ـ حينئذ ـ بمعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : يدبر ابن آدم والقضاء يضحك.
وفي الآية ـ أيضا ـ تسلية للنبي عليهالسلام عما يجري عليه من جهة قريش ، أي العاقبة التي للمتقين هي المراعاة والمنتظرة.
و (شَرَوْهُ) ـ هنا ـ بمعنى باعوه ، وقد يقال : شرى ، بمعنى اشترى ، ومن الأول قول يزيد بن مفرغ الحميري : [مجزوء الكامل]
وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |