قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قيل إن الله تعالى يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور ، ولو عكس لكان ذلك متجها ، أي ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان ، والاحتمال الأول في ترتيبنا أصح إن شاء الله.
قوله عزوجل :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(١١٩)
المعنى : لجعلهم أمة واحدة مؤمنة ـ قاله قتادة ـ حتى لا يقع منهم كفر ولا تنزل بهم مثلة ، ولكنه عزوجل لم يشأ ذلك ، فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل ـ هذا تأويل الجمهور ـ قال الحسن وعطاء ومجاهد وغيرهم : المرحومون المستثنون هم المؤمنون ليس عندهم اختلاف. وقالت فرقة : (لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في السعادة والشقاوة ، وهذا قريب المعنى من الأول إذ هي ثمرة الأديان والاختلاف فيها ، ويكون الاختلاف ـ على هذا التأويل ـ يدخل فيه المؤمنون إذ هم مخالفون للكفرة ؛ وقال الحسن أيضا : لا يزالون مختلفين في الغنى والفقر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية ، ثم استثنى الله تعالى من الضمير في (يَزالُونَ) من رحمه من الناس بأن هداه إلى الإيمان ووفقه له.
وقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة : ولشهود اليوم المشهود ـ المتقدم ذكره ـ خلقهم ، وقالت فرقة : ذلك إشارة إلى قوله ـ قبل ـ (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود : ١٠٥] أي لهذا خلقهم.
قال القاضي أبو محمد : وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد ؛ وروى أشهب عن مالك أنه قال : ذلك إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.
قال القاضي أبو محمد : فجاءت الإشارة بذلك إلى الأمرين : الاختلاف والرحمة وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري ويجيء ـ عليه ـ الضمير في (خَلَقَهُمْ) للصنفين وقال مجاهد وقتادة ذلك عائد على الرحمة التي تضمنها قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) ، أي وللرحمة خلق المرحومين ، قال الحسن ، وذلك إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ).
قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا بأن يقال : كيف خلقهم للاختلاف؟ وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم؟ فالوجه في الانفصال أن نقول : إن قاعدة الشرع أن الله عزوجل خلق خلقا للسعادة وخلقا للشقاوة ، ثم يسر كلّا لما خلق له ، وهذا نص في الحديث الصحيح وجعل بعد ذلك الاختلاف في