وحسن ذلك دون أن يؤكد لطول الكلام بقوله : (كَما أُمِرْتَ). و (لا تَطْغَوْا) معناه : ولا تتجاوزوا حدود الله تعالى ، و «الطغيان» : تجاوز الحد ومنه قوله : (طَغَى الْماءُ) [الحاقة : ١١] وقوله في فرعون : (إِنَّهُ طَغى) [طه : ٢٤ ـ ٤٣ ، النازعات : ١٧] ، وقيل في هذه معناه : ولا تطغينكم النعم ، وهذا كالأول.
وقرأ الجمهور «تعملون» بتاء ، وقرأ الحسن والأعمش «يعملون» بياء من تحت ـ وقرأ الجمهور : «ولا تركنوا» بفتح الكاف ، وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة والأشهب العقيلي وأبو عمرو ـ فيما روى عنه هارون ـ بضمها ، وهو لغة ، يقال : ركن يركن وركن يركن ، ومعناه السكون ، إلى الشيء والرضا به قال أبو العالية : «الركون» : الرضا. قال ابن زيد : «الركون» : الإدمان.
قال القاضي أبو محمد : فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره ، والنهي هنا يترتب من معنى الركون على الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب من ترك التغيير عليهم مع القدرة ، و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هنا هم الكفار ، وهو النص للمتأولين ، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي.
وقرأ الجمهور «فتمسكم» ، وقرأ يحيى وابن وثاب وعلقمة والأعمش وابن مصرف وحمزة ـ فيما روي عنه ـ «فتمسكم» بكسر التاء وهي لغة في كسر العلامات الثلاث دون الياء التي للغائب ، وقد جاء في الياء ييجل وييبى ، وعللت هذه بأن الياء التي وليت الأولى ردتها إلى الكسر.
وقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) الآية ، لم يختلف أحد في أن (الصَّلاةَ) في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ، واختلف في (طَرَفَيِ النَّهارِ) وزلف الليل فقيل : الطرف الأول الصبح ، والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء ، قاله مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في المغرب والعشاء : «هما زلفتا الليل». وقيل : الطرف الأول : الصبح ، والثاني : العصر ، قاله الحسن وقتادة والضحاك ، والزلف : المغرب والعشاء ، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول ـ بل هي في غيرها ، وقيل الطرفان : الصبح والمغرب ـ قاله ابن عباس والحسن ـ أيضا ـ والزلف : العشاء ، وليست في الآية الظهر والعصر. وقيل : الطرفان : الظهر والعصر ، والزلف : المغرب والعشاء والصبح.
قال القاضي أبو محمد : كأن هذا القائل راعى جهر القراءة ، والأول أحسن هذه الأقوال عندي ورجح الطبري أن الطرفين : الصبح والمغرب ، وأنه الظاهر ، إلا أن عموم الصلوات الخمس بالآية أولى.
وقرأ الجمهور «زلفا» بفتح اللام ، وقرأ طلحة بن مصرف وابن محيصن وعيسى وابن إسحاق وأبو جعفر : «زلفا» بضم اللام كأنه اسم مفرد. وقرأ «زلفا» بسكون اللام مجاهد ، وقرأ أيضا : «زلفى» على وزن ـ فعلى ـ وهي قراءة ابن محيصن. والزلف : الساعات القريب بعضها من بعض. ومنه قول العجاج : [الرجز]
ناج طواه الأين مما وجفا |
|
طي الليالي زلفا فزلفا |
سماوة الهلال حتى احقوقفا
وقوله (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ، ذهب جمهور المتأولين من صحابة وتابعين إلى أن (الْحَسَناتِ) يراد بها الصلوات الخمس ـ وإلى هذه الآية ذهب عثمان ـ رضي الله عنه ـ عند وضوئه على