و «الشهيق» : من قولهم : جبل شاهق أي عال. فهما ـ على هذا المعنى ـ واحد أو متقارب ، والظاهر ما قال أبو العالية : فإن الزفرة هي التي يعظم معها الصدر والجوف والشهقة هي الوقعة الأخيرة من الصوت المندفع معها النفس أحيانا ، فقد يشهق المحتضر ويشهق المغشي عليه.
وأما قوله (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فقيل معناه أن الله تعالى يبدل السماوات والأرض يوم القيامة ، ويجعل الأرض مكانا لجهنم والسماء مكانا للجنة ، ويتأبد ذلك ، فقرنت الآية خلود هؤلاء ببقاء هذه ؛ ويروى عن ابن عباس أنه قال : إن الله خلق السماوات والأرض من نور العرش ثم يردهما إلى هنالك في الآخرة ، فلهما ثم بقاء دائم ، وقيل معنى قوله (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) العبارة عن التأبيد بما تعهده العرب ، وذلك أن من فصيح كلامها إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول : لا أفعل كذا وكذا مدى الدهر ، وما ناح الحمام و (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية ، فأفهمهم الله تعالى تخليد الكفرة بذلك وإن كان قد أخبر بزوال السماوات والأرض.
وأما قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فقيل فيه : إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام ، فهو على نحو قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ـ إِنْ شاءَ اللهُ ـ آمِنِينَ) [الفتح : ٢٧] استثناء في واجب ، وهذا الاستثناء في حكم الشرط كأنه قال : إن شاء الله ، فليس يحتاج إلى أن يوصف بمتصل ولا بمنقطع ، ويؤيد هذا قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وقيل : هو استثناء من طول المدة ، وذلك على ما روي من أن جهنم تخرب ويعدم أهلها وتغلق أبوابها فهم ـ على هذا ـ يخلدون حتى يصير أمرهم إلى هذا.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول مختل ، والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين ، وهو الذي يسمي جهنم ، وسمي الكل به تجوزا.
وقيل : إنما استثنى ما يلطف الله تعالى به للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار ، فيجيء قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي لقوم ما ، وهذا قول قتادة والضحاك وأبي سنان وغيرهم ، وعلى هذا فيكون قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عاما في الكفرة والعصاة ـ كما قدمنا ـ ويكون الاستثناء من (خالِدِينَ) ، وقيل : (إِلَّا) بمعنى الواو ، فمعنى الآية : وما شاء الله زائدا على ذلك ، ونحو هذا قول الشاعر : [الوافر]
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
قال القاضي أبو محمد : وهذا البيت يصح الاستشهاد به على معتقدنا في فناء الفرقدين وغيرهما من العالم ، وأما إن كان قائله من دهرية العرب فلا حجة فيه ، إذ يرى ذلك مؤبدا فأجرى «إلا» على بابها.
وقيل (إِلَّا) في هذه الآية بمعنى سوى ، والاستثناء منقطع ، كما تقول : لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك ، بمعنى سوى تلك ، فكأنه قال : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) سوى ما شاء الله زائدا على ذلك ، ويؤيد هذا التأويل قوله بعد : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ، وهذا قول الفراء ، فإنه يقدر الاستثناء المنقطع ب «سوى» ؛ وسيبويه يقدره ب «لكن» ؛ وقيل سوى ما أعده لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير ونحوه ، وقيل استثناء من مدة السماوات : المدة التي فرطت لهم في الحياة الدنيا ؛