ناحية الشام ، وقيل (مَدْيَن) اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه ، و (مَدْيَنَ) لا ينصرف في الوجهين ، حكى النقاش أن (مَدْيَنَ) هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن (شُعَيْباً) عربي ، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط ، ودعاء «شعيب» إلى «عبادة الله» يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان ، وذلك بين من قولهم فيما بعد ، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم ، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر ، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة ، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام ، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافيا ويعطوا ناقصا في وزنهم وكيلهم ، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك ، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضا.
وقوله (بِخَيْرٍ) قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار ، و «عذاب اليوم المحيط» هو حلول الغلاء المهلك. وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق وقيل لهم قوله : (بِخَيْرٍ) عام في جميع نعم الله تعالى ، و «عذاب اليوم» هو الهلاك الذي حل بهم في آخر ، وجميع ما قيل في لفظ «خير» منحصر فيما قلناه.
ووصف «اليوم» ب «الإحاطة» وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف «اليوم» ب «الإحاطة» على تقدير : محيط شره. ونحو هذا.
وكرر عليهم الوصية في «الكيل والوزن» تأكيدا وبيانا وعظة لأن (لا تَنْقُصُوا) هو (أَوْفُوا) بعينه. لكنهما منحيان إلى معنى واحد.
قال القاضي أبو محمد : وحدثني أبي رضي الله عنه ، أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يعظ الناس في الكيل والوزن فقال : اعتبروا في أن الإنسان إذا رفع يده بالميزان فامتدت أصابعه الثلاث والتقى الإبهام والسبابة على ناصية الميزان جاء من شكل أصابعه صورة المكتوبة فكأن الميزان يقول: الله الله.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وعظ مليح مذكر. والقسط العدل ونحوه ، و «البخس» النقصان ، و (تَعْثَوْا) معناه : تسعون في فساد ، وكرر (مُفْسِدِينَ) على جهة التأكيد ، يقال عثا يعثو أو عثى يعثي ، وعث يعث ، وعاث يعيث ـ إذا أفسد ونحوه من المعنى ، والعثة : الدودة التي تفسد ثياب الصوف.
وقوله : (بَقِيَّتُ اللهِ) قال ابن عباس معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن حير لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد : معناه طاعة الله ، وقال ابن عباس ـ أيضا ـ معناه رزق الله ، وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي ـ إبقاء الله عليكم إن أطعتم. وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء وهي لغة.