له الرسل : تنح عن الباب ، فتنحى وانفتح الباب فضربهم جبريل عليهالسلام بجناحه فطمس أعينهم وعموا ، وانصرفوا على أعقابهم يقولون : النجاء النجاء ، فعند لوط قوم سحرة ، وتوعدوا لوطا ، ففزع حينئذ من وعيدهم ، فحينئذ قالوا له : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) فأمن ، ذكر هذا النقاش ؛ وفي تفسير غيره ما يقتضي أن قولهم : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) كان قبل طمس العيون ، ثم أمروه بالسرى وأعلموه أن العذاب نازل بالقوم ، فقال لهم لوط : فعذبوهم الساعة ، قالوا له : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي بهذا أمر الله ، ثم أنسوه في قلقه بقولهم : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).
وقرأ نافع وابن كثير «فأسر» من سرى إذا سار في أثناء الليل ، وقرأ الباقون «فاسر» إذا سار في أول الليل و «القطع» القطعة من الليل ، ويحتمل أن لوطا أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع ، ووقعت نجاته بسحر فتجتمع هذه الآية مع قوله : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤] وبيت النابغة جمع بين الفعلين في قوله : [البسيط]
أسرت عليه من الجوزاء سارية |
|
تزجي الشمال عليه جامد البرد |
فذهب قوم إلى أن سري وأسرى بمعنى واحد واحتجوا بهذا البيت.
قال القاضي أبو محمد : وأقول إن البيت يحتمل المعنيين ، وذلك أظهر عندي لأنه قصد وصف هذه الديمة ، وأنها ابتدأت من أول الليل وقت طلوع الجوزاء في الشتاء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «إلا امرأتك» بالرفع على البدل من (أَحَدٌ) وهذا هو الأوجه إذا استثني من منفي ، كقولك : ما جاءني أحد إلا زيد ، وهذا هو استثناء الملتفتين ، وقرأ الباقون «إلا أمرأتك» بالنصب ، ورأت ذلك فرقة من النحاة الوجه في الاستثناء من منفي ، إذ الكلام المنفي في هذا مستقل بنفسه كالموجب ، فإذ هو مثله في الاستقلال ، فحكمه كحكمه في نصب المستثنى ؛ وتأولت فرقة ممن قرأ : «إلا امرأتك» بالنصب أن الاستثناء وقع من الأهل كأنه قال : «فأسر بأهلك إلا امرأتك». وعلى هذا التأويل لا يكون إلا النصب ، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : لو كان الكلام : «ولا يلتفت» ـ بالرفع ـ لصح الرفع في قوله : «إلا أمرأتك» ولكنه نهي ، فإذا استثنيت «المرأة» من (أَحَدٌ) وجب أن تكون «المرأة» أبيح لها الالتفات فيفسد معنى الآية.
قال القاضي أبو محمد : وهذا الاعتراض حسن ، يلزم الاستثناء من (أَحَدٌ) رفعت التاء أو نصبت والانفصال عنه يترتب بكلام حكي عن المبرد ، وهو أن النهي إنما قصد به لوط وحده ، و «الالتفات» منفي عنهم بالمعنى ، أي لا تدع أحدا منهم يلتفت ، وهذا كما تقول لرجل : لا يقم من هؤلاء أحد إلا زيد ، وأولئك لم يسمعوك ، فالمعنى : لا تدع أحدا من هؤلاء يقوم والقيام بالمعنى منفي عن المشار إليهم.
قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا أن لفظ الآية هو لفظ قولنا : لا يقم أحد إلا زيد ، ونحن نحتاج أن يكون معناها معنى قولنا : لا يقم أحد إلا زيد وذلك اللفظ لا يرجع إلى هذا المعنى إلا بتقدير ما حكيناه عن المبرد ، فتدبره. ويظهر من مذهب أبي عبيد أن الاستثناء ، إنما هو من الأهل. وفي مصحف ابن مسعود : «فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك» وسقط قوله : (وَلا يَلْتَفِتْ