العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب ، ومنه قول الشاعر ، وهو عدي بن زيد : [الوافر]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد |
|
وقد سلكوك في يوم عصيب |
ومنه قول الآخر : [الطويل]
فإنك إلا ترض بكر بن وائل |
|
يكن لك يوم بالعراق عصيب |
ف «عصيب» ـ بالجملة ـ في موضع شديد وصعب الوطأة ، واشتقاقه كما ذكرنا.
وقوله تعالى : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ) الآية ، روي أن امرأة لوط الكافرة لما رأت ، الأضياف ورأت جمالهم وهيئتهم خرجت حتى أتت مجالس قومها فقالت لهم : إن لوطا أضاف الليلة فتية ما ريء مثلهم جمالا وكذا وكذا ، فحينئذ جاءوا (يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) ، ومعناه يسرعون ، والإهراع هو أن يسرع أمر بالإنسان حتى يسير بين الخبب والخمر ، فهي مشية الأسير الذي يسرع به ، والطامع المبادر إلى أمر يخاف فوته ، ونحو هذا ؛ يقال هرع الرجل وأهرعه طمع أو عدو أو خوف ونحوه.
والقراءة المشهورة : «يهرعون» بضم الياء أي يهرعون الطمع ، وقرأت فرقة : «يهرعون» بفتح الياء ، من هرع ، ومن هذه اللفظة قول مهلهل : [الوافر]
فجاءوا يهرعون وهم أسارى |
|
تقودهم على رغم الأنوف |
وقوله : (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ، أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال ، فجاءوا إلى الأضياف لذلك فقام إليهم لوط مدافعا ، وقال : (هؤُلاءِ بَناتِي) فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح ، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة ، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقالت فرقة : إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه ، روي هذا القول عن أبي عبيدة ، وهو ضعيف ، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير : الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلىاللهعليهوسلم ، وقالت فرقة : أشار بقوله : (بَناتِي) إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم ، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] وهو أب لهم وأشار أيضا لوط ـ في هذا التأويل ـ إلى النكاح.
وقرأت فرقة ـ هي الجمهور ـ «هن أطهر» برفع الراء على خبر الابتداء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ومحمد بن مروان وسعيد بن جبير : «أطهر» بالنصب قال سيبويه : هو لحن ، قال أبو عمرو بن العلاء : احتبى فيه ابن مروان في لحنه ، ووجهه عند من قرأ به النصب على الحال بأن يكون (بَناتِي) ابتداء و (هُنَ) خبره ، والجملة خبر (هؤُلاءِ).
قال القاضي أبو محمد : وهو إعراب مروي عن المبرد ، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية ، وإنما قوم اللفظ فقط والمعنى إنما هو في قوله : (أَطْهَرُ) وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها ـ كما تقدم في قوله : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] ، والوجه أن يقال : (هؤُلاءِ بَناتِي) ابتداء وخبر ، و (هُنَ) فصل و (أَطْهَرُ) حال وإن كان شرط الفصل أن يكون بين معرفتين ليفصل الكلام من النعت إلى