وكان سلام
الملائكة دعاء مرجوا ـ فلذلك نصب ـ وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر
ولذلك جاء مرفوعا.
وقوله : (فَما لَبِثَ أَنْ
جاءَ) يصح أن تكون «ما» نافية ، وفي (لَبِثَ) ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء ، ويصح أن
تكون «ما» نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع ب (لَبِثَ) أي ما لبث مجيئه ، وليس في (لَبِثَ) على هذا ضمير إبراهيم ، ويصح أن يكون «ما» بمعنى الذي وفي (لَبِثَ) ضمير إبراهيم ـ وإن جاء خبر «ما» أي فلبث إبراهيم مجيئه
بعجل حنيذ ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية.
و «الحنيذ» بمعنى
المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه ، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة
المشويات ، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه
وبين النار يغطى به والمعرض من الشواء الذي يصفف على الجمر ؛ والمهضب : الشواء
الذي بينه وبين النار حائل ، يكون الشواء عليه لا مدفونا له ، والتحنيذ في تضمير
الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل لينتصب عرقه.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى
أَيْدِيَهُمْ ...) الآية ، روي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في
اللحم ولا تصل أيديهم إليه ، وفي هذه الآية من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر
من ضيفه هل يأكل أم لا؟
قال القاضي أبو
محمد : وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر ، فروي أن أعرابيا أكل
مع سليمان بن عبد الملك ، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له : أزل الشعرة
عن لقمتك ، فقال له : أتنظر إلي نظر من يرى الشعر في لقمتي والله لا أكلت معك.
و (نَكِرَهُمْ) ـ على ما ذكر كثير من الناس ـ معناه : أنكرهم ، واستشهد
لذلك بالبيت الذي نحله أبو عمرو بن العلاء الأعشى وهو : [البسيط]
وأنكرتني وما
كان الذي نكرت
|
|
من الحوادث إلا
الشيب والصلعا
|
وقال بعض الناس : «نكر»
هو مستعمل فيما يرى بالبصر فينكر ، وأنكر هي مستعملة فيما لا يقرر من المعاني ،
فكأن الأعشى قال : وأنكرتني مودتي وأدمتي ونحوه ، ثم جاء ب «نكر» في الشيب والصلع
الذي هو مرئي بالبصر ، ومن هذا قول أبي ذؤيب : [الكامل]
فنكرنه فنفرن
وامترست به
|
|
هو جاء هادية
وهاد جرشع
|
والذي خاف منه
إبراهيم عليهالسلام ما يدل عليه امتناعهم من الأكل ، فعرف من جاء بشر أن لا
يأكل طعام المنزول به ، و (أَوْجَسَ) معناه أحس في نفسه خيفة منهم ، و «الوجيس» : ما يعتري
النفس عند الحذر وأوائل الفزع ، فأمنوه بقولهم : (لا
تَخَفْ) وعلم أنهم الملائكة ، ثم خرجت الآية إلى ذكر المرأة
وبشارتها فقالت فرقة : معناه : (قائِمَةٌ) خلف ستر تسمع محاورة إبراهيم مع أضيافه ، وقالت فرقة :
معناه (قائِمَةٌ) في صلاة ، وقال السد معناه (قائِمَةٌ) تخدم القوم ، وفي قراءة ابن مسعود : «وهي قائمة وهو جالس».
وقوله