بذلك في درج كلامه
، منبها على أفعال الله تعالى ، وأنه هو الذي يستحق العبادة ، و «فطر» معناه اخترع
وأنشأ ، وقوله : (أَفَلا
تَعْقِلُونَ) توقيف على مجال القول بأن غير الفاطر إلاه ، ويحتمل أن
يريد : (أَفَلا
تَعْقِلُونَ) إذ لم أطلب عرضا من أعراض الدنيا إني إنما أريد النفع لكم
والدار الآخرة ؛ والأول أظهر ، و «الاستغفار» طلب المغفرة ، وقد يكون ذلك باللسان
، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود المحجة الواضحة ، وهذه
أحوال يمكن أن تقع من الكفار ، فكأنه قال لهم : اطلبوا غفران الله بالإنابة ، وطلب
الدليل في نبوتي ، ثم توبوا بالإيمان من كفركم ، فيجيء الترتيب على هذا مستقيما
وإلا احتيج في ترتيب التوبة بعد الاستغفار إلى تحيل كثير فإما أن يكون : (تُوبُوا) أمرا بالدوام ، و «الاستغفار» طلب المغفرة بالإيمان ، وإلى
هذا ذهب الطبري ، وقال أبو المعالي في الإرشاد : «التوبة» في اصطلاح المتكلمين هي
الندم ، بعد أن قال : إنها في اللغة الرجوع ، ثم ركب على هذا أن قال إن الكافر إذا
آمن ليس إيمانه توبة وإنما توبته ندمه بعد.
قال القاضي أبو
محمد : والذي أقول : إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه
وصلاح ما يرجع إليه ، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من
شروطها ؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره ، لأنه هو نفس رجوعه ، و «تاب»
في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور ، وتصرف اللفظة في القرآن ب
«إلى» يقتضي أنها الرجوع لا الندم ، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا ، وحقيقة
التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه ، والله المستعان.
و (مِدْراراً) هو بناء تكثير وكان حقه أن تلحقه هاء ، ولكن حذفت على نية
النسب وعلى أن (السَّماءَ) المطر نفسه ، وهو من در يدر ؛ ومفعال قد يكون من اسم
الفاعل الذي هو من ثلاثي ، ومن اسم الفاعل الذي هو من رباعي : وقول من قال : إنه
ألزم للرباعي غير لازم.
ويروي أن عادا كان
الله تعالى قد حبس عنها المطر ثلاث سنين ، وكانوا أهل حرث وبساتين وثمار ، وكانت
بلادهم شرق جزيرة العرب ، فلهذا وعدهم بالمطر ، ومن ذلك فرحهم حين رأوا العارض ،
وقولهم: (هذا
عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤]
وحضهم على استنزال المطر بالإيمان والإنابة ، وتلك عادة الله في عباده ، ومنه قول
نوح عليهالسلام «استغفروا ربكم
إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا» ، ومنه فعل عمر رضي الله حين جعل جميع
قوله في الاستسقاء ودعائه استغفارا فسقي ، فسئل عن ذلك ، فقال : لقد استنزلت المطر
بمجاديح السماء.
وقوله : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً
إِلى قُوَّتِكُمْ) ، ظاهره العموم في جميع ما يحسن الله تعالى فيه إلى العباد
، وقالت فرقة : كان الله تعالى قد حبس نسلهم ، فمعنى قوله : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً
إِلى قُوَّتِكُمْ) أي الولد ، ويحتمل أن خص القوة بالذكر إذ كانوا أقوى
العوالم فوعدوا بالزيادة فيما بهروا فيه ، ثم نهاهم عن التولي عن الحق والإعراض عن
أمر الله. و (مُجْرِمِينَ) حال من الضمير في (تَتَوَلَّوْا).
قوله عزوجل :
(قالُوا
يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ
وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
(٥٣)