هو صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ ، وقال قوم : (فُصِّلَتْ) معناه فسرت ، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وابن كثير ـ فيما روي عنه ـ : «ثم فصلت» بفتح الفاء والصاد واللام ، ويحتمل ذلك معنيين : أحدهما : «فصلت» أي نزلت إلى الناس كما تقول فصل فلان لسفره ونحو هذا المعنى. والثاني فصلت بين المحق والمبطل من الناس.
و (مِنْ لَدُنْ) معناه من حيث ابتدئت الغاية ، كذا قال سيبويه وفيها لغات : يقال : لدن ولدن بسكون الدال : وقرىء بهما. (مِنْ لَدُنْ) ، ويقال : «لد» بفتح اللام وضم الدال دون نون ، ويقال «لدا» ، بدال منونة مقصورة. ويقال : «لد» بدال مكسورة منونة ، حكى ذلك أبو عبيدة.
و (حَكِيمٍ) أي محكم ، و (خَبِيرٍ) أي ذو خبرة بالأمور أجمع ، (أَلَّا تَعْبُدُوا) أن في موضع نصب إما على إضمار فعل وإما على تقدير ب «أن» وإسقاط الخافض ، وقيل على البدل من موضع الآيات ، وهذا معترض ضعيف لأنه موضع للآيات ، وإن نظر موضع الجملة فهو رفع : ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير : تفصيله ألا تعبدوا وقيل : على البدل من لفظ الآيات.
وقوله تعالى : (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أي من عقابه وبثوابه : وإذا أطلقت هاتان اللفظتان فالنذارة في المكروه والبشارة في المحبوب وقدم النذير لأن التحذير من النار هو الأهم و (أَنِ) معطوفة على التي قبلها.
ومعنى الآية : استغفروا ربكم أي اطلبوا مغفرته لكم وذلك بطلب دخولكم في الإسلام ثم توبوا من الكفر أي انسلخوا منه واندموا على سالفه. و (ثُمَ) مرتبة لأن الكافر أول ما ينيب فإنه في طلب مغفرة ربه فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقرأ الجمهور «يمتّعكم» بشد التاء ، وقرأ ابن محيصن «يمتعكم» بسكون الميم وتخفيف التاء ، وفي كتاب أبي حاتم : «إن هذه القراءات بالنون» ، وفي هذا نظر. و (مَتاعاً) مصدر جار على غير الفعل المتقدم مثل قوله (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] وقيل نصب بتعدي (يُمَتِّعْكُمْ) لأنك تقول : متعت زيدا ثوبا. ووصف المتاع «بالحسن» إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عزوجل وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفترضاته والسرور بمواعيده والكافر ليس في شيء من هذا ، وأما من قال بأن «المتاع الحسن» هو فوائد الدنيا وزينتها فيضعف بين الكفرة يتشاركون في ذلك أعظم مشاركة والأجل المسمى» : هو أجل الموت معناه (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) لكل واحد منكم ، وهذا ظاهر الآية : «واليوم الكبير» ـ على هذا ـ هو يوم القيامة.
وتحتمل الآية أن يكون التوعد بتعجيل العذاب إن كفروا ، والوعد بتمتيعهم إن آمنوا ، فتشبه ما قاله نوح عليهالسلام ، و «اليوم الكبير» ـ على هذا ـ يوم بدر ونحوه والمجهلة في أي الأمرين يكون إنما هي بحسب البشر والأمر عند الله تعالى معلوم محصل والأجل واحد.
وقوله تعالى : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي كل ذي إحسان بقوله ، أو بفعله ، أو قوته ، أو بماله ، أو غير ذلك ، مما يمكن أن يتقرب به و (فَضْلَهُ) ، يحتمل أن يعود الضمير فيه على الله عزوجل أي يؤتي