يخفى حتى قالوا للبعيد عازب ، ومنه قول الشاعر [ابن مقبل] : [الطويل]
عوازب لم تسمع نبوح مقامه |
|
ولم تر نارا تم حول محرم |
وقيل للغائب عن أهله : عازب ، حتى قالوه لمن لا زوجة له ، وفي السير أن بيت سعد بن خيثمة كان يقال : بيت العزاب ، وقرأ جمهور السبعة والناس «يعزب» يضم الزاي ، وقرأ الكسائي وحده منهم : «يعزب» بكسرها وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف ، قال أبو حاتم : القراءة بالضم ، والكسر لغة ، و «المثقال» : الوزن ، وهو اسم ، لا صفة كمعطار ومضراب ، والذر : صغار النمل ، جعلها الله مثالا إذ لا يعرف في الحيوان المتغذي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه ، وقرأ جمهور الناس وأكثر السبعة : «ولا أصغر ولا أكبر» بفتح الراء عطفا على (ذَرَّةٍ) في موضع خفض لكن منع من ظهوره امتناع الصرف ، وقرأ حمزة وحده : «ولا أصغر ولا أكبر» عطفا على موضع قوله (مِثْقالِ) ، لأن التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ، و «الكتاب المبين» : اللوح المحفوظ ، كذا قال بعض المفسرين ، ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة ، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل ، وتقديم «الأصغر» في الترتيب جرى على قولهم : القمرين والعمرين ، ومنه قوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) [الكهف : ٤٩] والقصد بذلك تنبيه ، الأقل وأن الحكم المقصود إذا وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم ، و (أَلا) استفتاح وتنبيه ، و (أَوْلِياءَ اللهِ) هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة ، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله ، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي ، وإنّما نبهنا هذا التنبيه حذرا من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه إذ سئل عن أولياء الله؟ فقال : الذين إذا رأيتهم ذكرت الله.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون ، وروي عن النبيصلىاللهعليهوسلم أيضا أنه قال : «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه وقوله (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يحتمل أن يكون في الآخرة ، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذابا ولا عقابا ولا يحزنون لذلك ، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحدا من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها ، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن ، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله ، وروي فيهم حديث : «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم ، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون» ، وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال : «قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال» ، الحديث ، ثم قرأ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا) يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء ، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين ، وكثيرا ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه «أن» إذا جاء بعد خبرها ، ويصح أن يكون (الَّذِينَ) ابتداء وخبره في قوله (لَهُمُ الْبُشْرى) ،