خوف ، وهذه الحال من الخوف المقارن هي القائدة إلى النجاة ، والذي أقول : إن الرجاء في كل موضع على بابه وإن بيت الهذلي معناه لم يرج فقد لسعها فهو يبني عليه ويصبر إذ يعلم أنه لا بد منه ، وقوله (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) يريد كانت آخر همهم ومنتهى غرضهم ، وأسند الطبري عن قتادة أنه قال في تفسير هذه الآية : إذا شئت رأيت هذا الموصوف ، صاحب دنيا لها يغضب ولها يرضى ولها يفرح ولها يهتم ويحزن ، فكأن قتادة صورها في العصاة ولا يترتب ذلك إلا مع تأول الرجاء على بابه ، إذ قد يكون العاصي المجلح مستوحشا من آخرته ، فأما على التأويل الأول فمن لا يخاف لقاء الله فهو كافر ، وقوله (وَاطْمَأَنُّوا بِها) تكميل في معنى القناعة بها والرفض لغيرها لأن الطمأنينة بالشيء هي زوال التحرّك إلى غيره ، وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) يحتمل أن يكون ابتداء إشارة إلى فرقة أخرى من الكفار وهؤلاء على هذا التأويل أضل صفقة لأنهم ليسوا أهل دنيا بل غفلة فقط ، ثم حتم عليهم بالنار وجعلها (مَأْواهُمُ) ، وهو حيث يأوي الإنسان ويستقر ، ثم جعل ذلك بسبب كسبهم واجتراحهم ، وفي هذه اللفظة رد على الجبرية ونص على تعلّق العقاب بالتكسب الذي للإنسان ، وقوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا). الآية لما قرر تبارك وتعالى حالة الفرقة الهالكة عقب ذلك بذكر حالة الفرقة الناجية ليتضح الطريقان ويرى الناظر فرق ما بين الهدى والضلال ، وهذا كله لطف منه بعباده ، وقوله (يَهْدِيهِمْ) لا يترتب أن يكون معناه يرشدهم إلى الإيمان لأنه قد قررهم مؤمنين فإنما الهدى في هذه الآية على أحد وجهين : إما أن يريد أنه يديمهم ويثبتهم ، كما قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) [النساء : ١٣٦] فإنما معناه اثبتوا ، وإما أن يريد يرشدهم إلى طرق الجنان في الآخرة ، وقوله : (بِإِيمانِهِمْ) يحتمل أن يريد بسبب إيمانهم ويكون مقابلا لقوله قبل (مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى ، أي يهديهم إلى طرق الجنة بنور إيمانهم ، قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به ويتركب هذا التأويل على ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن العبد المؤمن إذا قام من قبره للحشر تمثل له رجل جميل الوجه طيّب الرائحة فيقول : من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح فيقوده إلى الجنة ، وبعكس هذا في الكافر» ، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره وقوله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) يريد من تحت علياتهم وغرفهم وليس التحت الذي هو بالمماسة بل يكون إلى ناحية من الإنسان كما قال تعالى : (جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤] وكما قال حكاية عن فرعون (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١] وقوله (دَعْواهُمْ) الآية ، الدعوى بمعنى الدعاء يقال دعا الرجل وادعى بمعنى واحد ، قاله سيبويه ، و (سُبْحانَكَ اللهُمَ) تقديس وتسبيح وتنزيه لجلاله عن كل ما لا يليق به ، وقال علي بن أبي طالب في ذلك : هي كلمات رضيها الله تعالى لنفسه ، وقال طلحة بن عبيد الله : قلت يا رسول الله ، ما معنى سبحان الله؟ فقال : معناها تنزيه الله من السوء ، وقد تقدم ذكر خلاف النحاة في (اللهُمَ) ، وحكي عن بعض المفسرين أنهم رأوا أن هذه الكلمة إنما يقولها المؤمن في الجنة عند ما يشتهي الطعام فإنه إذا رأى طائرا أو غير ذلك قال : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى ، رواه ابن جريح وسفيان بن عيينة ، وقوله (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) يريد تسليم بعضهم على بعض ، و «التحية» مأخوذة من تمني الحياة للإنسان والدعاء بها ، يقال حياه يحييه ، ومنه قول زهير بن جناب : [مجزوء الكامل]