منكم لهن أي عطية ، وقيل التقدير : من الله عزوجل لهن ، وذلك لأن الله جعل الصداق على الرجال ولم يجعل على النساء شيئا ، وقيل (نِحْلَةً) معناه : شرعة ، مأخوذ من النحل تقول : فلان ينتحل دين كذا ، وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء ، ويتجه مع سواه ، ونصبها على أنها من الأزواج بإضمار فعل من لفظها ، تقديره ـ انحلوهن نحلة ، ويجوز أن يعمل الفعل الظاهر ، وإن كان من غير اللفظ لأنه مناسب للنحلة في المعنى ونصبها على أنها من الله عزوجل بإضمار فعل مقدر من اللفظ لا يصح غير ذلك ، وعلى أنها شريعة هي أيضا من الله وقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) الخطاب حسبما تقدم من الاختلاف في الأزواج والأولياء ، والمعنى : إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن ، والضمير في (مِنْهُ) راجع على الصداق ، وكذلك قال عكرمة وغيره ، أو على الإيتاء ، وقال حضرمي : سبب الآية أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات ، و (نَفْساً) نصب على التمييز ، ولا يجوز تقدمه على العامل عند سيبويه إلا في ضرورة شعر مع تصرف العامل ، وإجازة غيره في الكلام. ومنه قول الشاعر [المخبل السعدي] : [الطويل]
وما كان نفسا بالفراق تطيب
و «من» ـ تتضمن الجنس هاهنا ، ولذلك يجوز أن تهب المهر كله ، ولو وقفت «من» على التبعيض لما جاز ذلك ، وقرىء «هنيا مريا» دون همز ، وهي قراءة الحسن بن أبي الحسن والزهري. قال الطبري : ومن هناء البعير أن يعطي الشفاء.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وإنما قال اللغويون : الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة ، وكذلك المريء ، قال اللغويون : يقولون هنأني الطعام ومرأني على الإتباع ، فإذا أفردوا قالوا : أمرأني على وزن أفعل. قال أبو علي : وهذا كما جاء في الحديث «ارجعن مأزورات غير مأجورات» فإنما اعتلت الواو من موزورات اتباعا للفظ مأجورات ، فكذلك مرأني اتباعا لهنأني ، ودخل رجل على علقمة ـ وهو يأكل شيئا مما وهبته امرأته من مهرها ـ فقال له : كل من الهنيء المريء ، قال سيبويه ؛ (هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره ، المختزل للدلالة التي في الكلام عليه ، كأنهم قالوا : ثبت ذلك «هنيئا مريئا».
وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) الآية ، اختلف المتأولون في المراد ب (السُّفَهاءَ) ، فقال ابن مسعود والسدي والضحاك والحسن وغيرهم : نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في المحجورين «السفهاء» وقال مجاهد : نزلت في النساء خاصة ، وروي عن عبد الله بن عمر أنه مرت به امرأة لها شارة فقال لها (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) الآية ، وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما : نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان ، وقول من خصها بالنساء يضعف من جهة الجمع ، فإن العرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات ، وقوله : (أَمْوالَكُمُ) يريد أموال المخاطبين ، هذا قول أبي موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة ، وقال سعيد بن جبير : يريد أموال «السفهاء» ، وأضافها إلى المخاطبين تغبيطا بالأموال ، أي هي لهم إذا احتاجوا ، كأموالكم لكم التي تقي أعراضكم ، وتصونكم وتعظم أقداركم ، ومن مثل هذا (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] وما جرى مجراه ، وقرأ