فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٨١)
قالت فرقة : (ما) شرطية ، ودخلت (مِنْ) بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله (مِنْ) ، وقالت فرقة (ما) بمعنى الذي ، و (مِنْ) لبيان الجنس ، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة : حسنة وسيئة ، ورخاء وشدة ، وغير ذلك ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وغيره داخل في المعنى ، وقيل : الخطاب للمرء على الجملة ، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم ، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى ، بأن الحسنة منه وبفضله ، والسيئة من الإنسان بإذنابه ، وهي من الله بالخلق والاختراع ، وفي مصحف ابن مسعود ، «فمن نفسك» «وأنا قضيتها عليك» وقرأ بها ابن عباس ، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها» وروي أن أبيا وابن مسعود قرأ «وأنا قدرتها عليك» ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليهالسلام معناها ، أن ما يصيب ابن آدم من المصائب ، فإنما هي عقوبة ذنوبه. ومن ذلك أن أبا بكر الصديق لما نزلت (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] جزع فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ألست تمرض؟ ألست تسقم؟ ألست تغتم؟ وقال أيضا عليهالسلام : «ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر». ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان ، وقالت طائفة : معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النساء : ٧٨] على تقدير حذف يقولون ، فتقديره فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يقولون : ما أصابك من حسنة ، ويجيء القطع على هذا القول من قوله : (وَأَرْسَلْناكَ) ، وقالت طائفة : بل القطع في الآية من أولها ، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله ، وتقدير ما بعده (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، على جهة الإنكار والتقرير ، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوقة من الكلام ، وحكى هذا القول المهدوي ، و (رَسُولاً) نصب على الحال ، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى ، (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ثم تلاه بقوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) توعد للكفرة ، وتهديد تقتضيه قوة الكلام ، لأن المعنى شهيدا على من كذبه.
والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بيانا من الله وتبليغا ، فإنما هي أوامر الله ونواهيه ، وقالت فرقة : سبب هذه الآية أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من أحبني فقد أحب الله» ، فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة ، وقالوا : هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده ، وهو في هذا القول مدّع للربوبية ، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليهالسلام ، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى ، و (تَوَلَّى) معناه أعرض ، وأصل (تَوَلَّى) في المعنى أن يتعدى بحرف ، فنقول تولى فلان عن الإيمان ، وتولى إلى الإيمان ، لأن اللفظة تتضمن إقبالا وإدبارا ، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام العرب على الإعراض والإدبار ، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه ، و (حَفِيظاً) يحتمل معنيين ، أي ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه ، أو ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم ، وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له ، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام.
وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) الآية نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين ، المعنى يقولون لك