اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧٣)
هذا خطاب للمخلصين من أمة محمد عليهالسلام ، وأمر لهم بجهاد الكفار ، والخروج في سبيل الله ، وحماية الشرع ، و (خُذُوا حِذْرَكُمْ) ، معناه : احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد ، فهنا يدخل أخذ السلاح وغيره ، و (انْفِرُوا) معناه : اخرجوا مجدين مصممين ، يقال : نفر الرجل ينفر بكسر الفاء نفيرا ، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفورا ، و (ثُباتٍ) معناه : جماعات متفرقات ، فهي كناية عن السرايا و (جَمِيعاً) ، معناه : الجيش الكثيف مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، هكذا قال ابن عباس وغيره ، والثبة : حكي أنها فوق العشرة من الرجال ، وزنها فعلة بفتح العين ، أصلها ثبوة ، وقيل : ثبية ، حذفت لامها بعد أن تحركت وانقلبت ألفا حذفا غير مقبس ، ولذلك جمعت ثبون ، بالواو والنون عوضا من المحذوف وكسر أولها في الجمع دلالة على خروجها عن بابها ، لأن بابها أن تجمع بالتاء أبدا ، فيقال : (ثُباتٍ) ، وتصغر ثبية أصلها ثبيوة ، وأما ثبة الحوض وهي وسطه الذي يثوب الماء إليه ، فالمحذوف منها العين ، وأصلها ثوبة وتصغيرها ثوبية ، وهي من ثاب يثوب ، وكذلك قال أبو علي الفارسي في بيت أبي ذؤيب : [الطويل]
فلمّا جلاها بالأيام تحيّزت |
|
ثبات عليها ذلّها واكتئابها |
انه اسم مفرد ليس يجمع سيق على الأصل ، لأن أصل ثبة ثبوة ، تحركت بالواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، فساقها أبو ذؤيب في هذه الحال.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ إِنَ) إيجاب ، والخطاب لجماعة المؤمنين ، والمراد ب «من» المنافقون ، وعبر عنهم ب (مِنْكُمْ) إذ هم في عداد المؤمنين ، ومنتحلون دعوتهم ، واللام الداخلة على «من» لام التأكيد ، دخلت على اسم (إِنَ) لما كان الخبر متقدما في المجرور ، وذلك مهيع في كلامهم ، كقولك : إن في الدار لزيدا ، واللام الداخلة على (لَيُبَطِّئَنَ) لام قسم عند الجمهور ، تقديره (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ) والله (لَيُبَطِّئَنَ) وقيل : هي لام تأكيد ، و (لَيُبَطِّئَنَ) معناه : يبطىء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ مجاهد «ليبطئن» بالتخفيف في الطاء ، و (مُصِيبَةٌ) يعني من قتل واستشهاد ، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد ، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى ، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها ، و (شَهِيداً) معناه مشاهدا فالمعنى : أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد.
وقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) الآية ، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله ، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة ، وقال : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) ، متمنيا شيئا قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده ، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذرا واضحا ، وأمرا لا قدرة له معه ، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير ، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة ، ويعاهد على التزام كلف الإسلام ، ثم يتخلف نفاقا وشكا وكفرا بالله ورسوله ، ثم يتمنى عند ما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ)