هي النقطة التي في بطن النواة ، وروي عن ابن عباس أنه قال : هو نقر الإنسان بأصبعه ، وهذا كله يجمعه أنه كناية عن الغاية في الحقارة والقلة على مجاز العرب واستعارتها ، و «إذا» في هذه الآية ملغاة لدخول فاء العطف عليها ، ويجوز إعمالها ، والإلغاء أفصح ، وذلك أنها إذا تقدمت أعملت قولا واحدا ، وإذا توسطت ألغيت قولا واحدا ، فإذا دخل عليها وهي متقدمة فاء أو واو جاز إعمالها والإلغاء أفصح وهي لغة القرآن ، وتكتب «إذا» بالنون وبالألف ، فالنون هو الأصل ، كعن ومن ، وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون التنوين ، ولا يصح الوقوف على «عن ومن».
وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) الآية ، (أَمْ) هذه على بابها ، لأن الاستفهام الذي في تقديرنا ، بل ألهم قد تقدمها ، واختلف المتأولون في المراد ب (النَّاسَ) في هذا الموضع ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك ، هو النبي عليهالسلام ، والفضل النبوة فقط ، والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك؟ وقال ابن عباس والسدي أيضا : هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، والفضل ما أبيح له من النساء فقط ، وسبب الآية عندهم ، أن اليهود قالت لكفار العرب : انظروا إلى هذا الذي يقول : إنه بعث بالتواضع ، وإنه لا يملأ بطنه طعاما ، ليس همه إلا في النساء ، ونحو هذا ، فنزلت الآية ، والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم؟ صلىاللهعليهوسلم يعني سليمان وداود عليهماالسلام في أنهما أعطيا النبوة والكتاب ، وأعطيا مع ذلك ملكا عظيما ، في أمر النساء ، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، ولداود مائة امرأة ، ونحو هذا من الأخبار الواردة في ذلك ، فالملك في هذا القول إباحة النساء ، كأنه المقصود أولا بالذكر ، وقال قتادة : (النَّاسَ) في هذا الموضع : العرب ، حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي عليهالسلام منها ، «والفضل» على هذا التأويل : هو محمد عليهالسلام ، فالمعنى : لم يحسدون العرب على هذا النبي صلىاللهعليهوسلم وقد أوتي آل إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ـ وهم أسلافهم ـ أنبياء وكتبا ، كالتوراة والزبور ، (وَحِكْمَةٍ) وهي الفهم في الدين وما يكون من الهدى مما لم ينص عليه الكتاب ، وروي عن ابن عباس أنه قال : «نحن الناس» يريد قريشا ، و (مُلْكاً عَظِيماً) : أي ملك سليمان ، قاله ابن عباس : وقال مجاهد : الملك العظيم في الآية هو النبوة ، وقال همام بن الحارث وأبو مسلمة : هو التأييد بالملائكة.
قال القاضي أبو محمد : والأصوب أنه ملك سليمان أو أمر النساء في التأويل المتقدم ، وقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) الآية ، اختلف المتأولون في عود الضمير من (بِهِ) فقال الجمهور : هو عائد على القرآن الذي في قوله تعالى : (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) [النساء : ٤٧] فأعلم الله أن منهم من آمن كما أمر ، فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع ، وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) وقالت فرقة : الضمير عائد على إبراهيم عليهالسلام ، وحكى مكي في ذلك قصصا ليست بالثابتة ، وقالت فرقة : هو عائد على الفضل الذي آتاه الله النبي عليهالسلام ، أو العرب على ما تقدم.
قال القاضي أبو محمد : قرأت فرقة : «صد» عنه بضم الصاد على بناء الفعل للمفعول ، و (سَعِيراً) معناه : احتراقا وتلهبا ، والسعير : شدة توقد النار ، فهذا كناية عن شدة العذاب والعقوبة.