هلكى وميدى في جمع هالك ومائد ، ويحتمل أن يكون صفة لمؤنثة واحدة ، كأن المعنى وأنتم جماعة سكرى ، وأما «سكرى» بضم السين فصفة لواحدة ، كحبلى. والسكر انسداد الفهم ، ومنه سكرت الماء إذا سددت طريقه ، وقالت طائفة : (الصَّلاةَ) هنا العبادة المعروفة ، حسب السبب في نزول الآية ، وقالت طائفة : (الصَّلاةَ) هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا ، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ، ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين.
قال القاضي أبو محمد : وإنما احتيج إلى هذا الخلاف بحسب ما يأتي في تفسير عابري السبيل ، ويظهر من قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا) أن السكران لا يعلم ما يقول ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره : إن السكران لا يلزمه طلاقه ، فأسقط عنه أحكام القول ، لهذا ولقول النبي عليهالسلام للذي أقر بالزنى أسكران أنت؟ فمعناه : أنه لو كان سكران لم يلزمه الإقرار.
قال القاضي أبو محمد : وبين طلاق السكران وإقراره بالزنى فرق ، وذلك أن الطلاق والإقرار بالمال والقذف وما أشبهه هذا يتعلق به حقوق الغير من الآدميين ، فيتهم السكران إن ادعى أنه لم يعلم ، ويحكم عليه حكم العالم ، والإقرار بالزنا إنما هو حق لله تعالى ، فإذا ادعى فيه بعد الصحو أنه كان غير عالم دين ، وأما أحكام الجنايات ، فهي كلها لازمة للسكران (وَأَنْتُمْ سُكارى) ابتداء وخبر ، جملة في موضع الحال ، وحكي عن ابن فورك أنه قال : معنى الآية النهي عن السكر ، أي لا يكن منكم سكر ، فيقع قرب الصلاة ، إذ المرء مدعو إلى الصلاة دأبا ، والظاهر أن الأمر ليس كذلك ، وقد روي : أن الصحابة بعد هذه الآية كانوا يشربون ويقللون أثر الصبح وأثر العتمة ، ولا تدخل عليهم صلاة إلا وهم صاحون ، وقوله : (وَلا جُنُباً) عطف على موضع هذه الجملة المنصوبة ، والجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان ، هذا قول جمهور الأمة ، وروي عن بعض الصحابة : لا غسل إلا على من أنزل ، وهو من الجنابة ، وهي : البعد ، كأنه جانب الطهر أو من الجنب ، كأنه ضاجع ومس بجنبه جنبا ، وقرأت فرقة «جنبا» بإسكان النون ، و «عابري سبيل» هو من العبور أي : الخطور والجواز ، ومنه : عبر السفينة النهر ، ومنه : ناقة عبر السير والفلاة والمهاجرة أي تعبرها بسرعة السير. قال الشاعر : وهي امرأة : [الكامل]
عيرانة سرح اليدين شملّة |
|
عبر الهواجر كالهزفّ الخاضب |
وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم : عابر السبيل هو المسافر ، فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال ، إلا المسافر فإنه يتيمم ، وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود وعكرمة والنخعي وغيرهم : عابر السبيل الخاطر في المسجد ، وهو المقصود في الآية ، وهذا يحتاج إلى ما تقدم من أن القول بأن الصلاة هي المسجد والمصلى ، وروى بعضهم : أن سبب الآية : أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد ، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد ، فنزلت الآية في ذلك ، ثم نزلت (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) إلى آخر الآية ، بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع حين أقام على التماس العقد ، هكذا قال الجمهور ، وقال النخعي : نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا ، فذكروا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، ذكر النقاش: أن ذلك