أن الله عزوجل قضى أن لا يعاقب أحدا بذنب أتاه بجهالة ، وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة ، وذكر الطبري عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن الكتاب السابق هو أن لا يعذب أحدا بذنب إلا بعد النهي عنه ولم يكونوا نهوا بعد ، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر ، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها ، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى ، واللام في (لَمَسَّكُمْ) جواب (لَوْ لا) ، و (كِتابٌ) رفع بالابتداء والخبر محذوف ، وهكذا حال الاسم الذي بعد لو لا ، وتقديره عند سيبويه لو لا كتاب سابق من الله تدارككم ، وما من قوله (فِيما) يراد بها إما الأسرى وإما الفداء ، وهي موصولة ، وفي (أَخَذْتُمْ) ضمير عائد عليها ، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى العائد ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب ، وفي حديث آخر وسعد بن معاذ ، وذلك أن رأيهما كان أن يقتل الأسرى ، وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) الآية ، نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم تحليلها ، قوله (حَلالاً طَيِّباً) حال في قوله ، ويصح أن يكونا من الضمير الذي في (غَنِمْتُمْ) ويحتمل أن يكون (حَلالاً) مفعولا ب «كلوا» ، (وَاتَّقُوا اللهَ) معناه في التشرع حسب إرادة البشر وشهوته في نازلة ، أخرى ، وجاء قوله (وَاتَّقُوا اللهَ) اعتراضا فصيحا في أثناء الكلام ، لأن قوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هو متصل بالمعنى بقوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).
قوله عزوجل :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧١)
روي أن الأسرى ببدر أعلموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم لهم ميل إلى الإسلام وأنهم يؤملونه وأنهم إن فدوا ورجعوا إلى قومهم التزموا جلبهم إلى الإسلام وسعوا في ذلك ونحو هذا الغرض ، ففي ذلك نزلت هذه الآية ، وقال ابن عباس (الْأَسْرى) في هذه الآية عباس وأصحابه ، قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم آمنا بما جئت به ونشهد إنك لرسول الله لننصحن لك على قومنا فنزلت هذه الآية ، وقرأ جمهور الناس : «من الأسرى» وقرأ أبو عمرو وحده من السبعة «من الأسارى» وهي قراءة أبي جعفر وقتادة ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق ، واختلف عن الحسن بن أبي الحسن وعن الجحدري وقرأ ابن محيصن «من لسرى» بالإدغام ، ومعنى الكلام إن كان هذا عن جد منكم وعلم الله من نفوسكم الخير والإسلام سيجبر عليكم أفضل مما أعطيتم فدية وسيغفر لكم جميع ما اجترحتموه ، وقرأ الأعمش «يثيبكم خيرا» ، وقرأ جمهور الناس أخذ» بضم الهمزة وكسر الخاء ، وقرأ شيبة بن نصاح وأبو حيوة «أخذ» بفتحها ، وروي أن أسرى بدر افتدوا بأربعين أوقية أربعين أوقية إلا العباس فإنه افتدي بمائة أوقية.
قال القاضي أبو محمد : والأوقية أربعون درهما ، وقال قتادة فادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف ، وقال