قال القاضي أبو
محمد : وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات ، منها أن هذه
السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر ، وتلك في بني النضير وقرى عرينة ، ولأن
الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين
جلوا وهربوا وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف ، وحكى ابن
المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس ، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلىاللهعليهوسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء.
وقال أبو عبيدة :
هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورة (قُلِ
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [الأنفال : ١] ولم يخمس رسول الله صلىاللهعليهوسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية.
قال القاضي أبو
محمد : ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري كانت لي شارق من نصيبي من المغنم
ببدر وشارق أعطانيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الخمس حينئذ أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي
عبيدة ، ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي
كانت بين بدر وأحد ، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أمر وغزوة
نجران ولم يحفظ فيها قتال ولكن يمكن أن غنمت غنائم والله أعلم.
وقوله في هذه
الآية (مِنْ
شَيْءٍ) ظاهره عام ومعناه الخصوص ، فأما الناض والمتاع والأطفال
والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فليس للإمام في جميع ذلك ما كثر
منه وما قل كالخايط والمخيط إلا أن يأخذ الخمس ويقسم الباقي في أهل الجيش ، وأما
الأرض فقال فيها مالك : يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابا كما فعل النبي صلىاللهعليهوسلم بخيبر ، ولا يقسمها إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر
بأرض مصر سواد الكوفة.
قال القاضي أبو
محمد : لأن فعل عمر ليس بمخالف لفعل النبي صلىاللهعليهوسلم ، إذ ليست النازلة واحدة بحسب قرائن الوقتين وحاجة الصحابة
وقلتهم ، وهذا كله انعكس في زمان عمر ، وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان
فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه ، منها القتل وهو مستحسن
في أهل الشجاعة والنكاية ، ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع
ولا يخاف منه رأي ولا مكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ، ومنها المن
وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ، ومنها
الاسترقاق ، ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة ، وأما الطعام والغنم ونحوهما مما
يؤكل فهو مباح في بلد العدو يأكله الناس فما بقي كان في المغنم.
قال القاضي أبو
محمد : وأما أربعة أخماس ما غنم فيقسمه الإمام على الجيش ، ولا يختص بهذه الآية
ذكر القسمة فأنا أختصره هنا ، وأما الخمس فاختلف العلماء فيه ، فقال مالك رحمهالله : الرأي فيه للإمام يلحقه ببيت الفيء ويعطي من ذلك البيت
لقرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما رآه ، كما يعطي منه اليتامى والمساكين وغيرهم ، وإنما
ذكر من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم من أهم من يدفع إليه ، قال الزجّاج محتجا
لمالك :