قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، لأنه خبر لا يدخله نسخ.
قوله عزوجل :
(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٥)
قرأ الجمهور «وما كان صلاتهم» بالرفع «عند البيت إلا مكاء» بالنصب «وتصدية» كذلك ، وروي عن عاصم أنه قرأ : «صلاتهم» بالنصب «إلا مكاء وتصدية» بالرفع ، ورويت عن سليمان الأعمش بخلاف عنه فيما حكى أبو حاتم ، وذكر أبو علي عن الأعمش أنه قال في قراءة عاصم : أفإن لحن عاصم تلحن أنت؟ قال أبو الفتح : وقد روي الحرف كذلك عن أبان بن تغلب ، قال قوم : وهذه القراءة خطأ لأنه جعل الاسم نكرة والخبر معرفة ، قال أبو حاتم : فإن قيل إن المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس معرفا ومنكرا واحد في التعريف ، قيل إن استعماله هكذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ، كما قال حسان : [الوافر].
كأنّ سبيئة من بيت رأس |
|
يكون مزاجها عسل وماء |
ولا يقاس على ذلك ، فأما أبو الفتح فوجه هذه القراءة بما ذكرناه من تعريف اسم الجنس وبعد ذلك يرجح قراءة الناس قال أبو علي الفارسي : وإنما ذهب من ذهب إلى هذه القراءة لما رأى الفعل أن الصلاة مؤنثة ورأى المسند إليها ليس فيه علامة تأنيث فأراد تعليقه بمذكر وهو المكاء ، وأخطأ في ذلك ، فإن العرب تعلق الفعل لا علامة فيه بالمؤنث ، ومنه قوله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود : ٦٧] وقوله (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) [النمل : ٥١] و (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف : ٨٦ ـ ١٠٣ ، النمل : ١٤] ونحو هذا مما أسند فيه الفعل دون علامة إلى المؤنث ، والمكاء على وزن الفعال الصفير قاله ابن عباس والجمهور ، فقد يكون بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم ، قال مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد يشارك الأنف يقال مكا يمكو إذا صفر ، ومنه قول عنترة : [الكامل]
وخليل غانية تركت مجدلا |
|
تمكو فريصته كشدق الأعلم |
ومنه قول الشاعر :
فكأنما يمكو بأعصم عاقل
يصف رجلا فر به حيوان ومنه قول الطرماح : [الكامل]
فنحا لأولاها بطعنة محفظ |
|
تمكو جوانبها من الإنهار |
ومكت است الدابة إذا صفرت يقال ولا تمكو إلا است مكشوفة ومن هذا قيل للاست مكوة قال أبو علي : فالهمزة في (مُكاءً) منقلبة عن واو.
قال القاضي أبو محمد : ومن هذا قيل للطائر المكّاء لأنه يمكو أي يصفر في تغريده ، ووزنه فعّال بشد