الذي صنع له وحمته وآنسته ، وفرقة أحاطت بعسكر العدو وأسلابهم لما انكشفوا ، وفرقة اتبعوا العدو فقتلوا وأسروا.
وقال ابن عباس في كتاب الطبري : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد حرض الناس قبل ذلك فقال : من قتل قتيلا أو أسر أسيرا فله كذا وله كذا ، فسارع الشبان وبقي الشيوخ عند الرايات ، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس رأت كل فرقة الفضل لنفسها ، وقالت نحن أولى بالمغنم ، وساءت أخلاقهم في ذلك ، فنزلت الآية بأن الغنائم لله وللرسول فكفوا ، فقسمه حينئذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السواء ، وأسند الطبري وغيره عن أبي أمامة الباهلي ، قال : سألت عبادة بن الصامت عن «الأنفال» فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقسمه عليهالسلام عن بواء.
قال القاضي أبو محمد : يريد عن سواء ، فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم وصلاح ذات البين ، مما جرى أيضا يوم بدر فقيل إنه سبب ما أسنده الطبري عن سعد بن أبي وقاص ، قال :
لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فجئت به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت يا رسول الله : هذا السيف قد شفى الله به من المشركين فأعطنيه ، فقال : ليس هذا لي ولا لك ، فاطرحه في القبض فطرحته فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي ، قال فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت عليه سورة الأنفال ، فقال : اذهب فخذ سيفك فإنك سألتني السيف وليس لي ، وإنه قد صار لي فهو لك.
قال القاضي أبو محمد : وفي بعض طرق هذا الحديث ، قال سعد : فقلت لما قال لي ضعه في القبض إني أخاف أن تعطيه من لم يبل بلائي ، قال : فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خلفي ، قال فقلت أخاف أن يكون نزل فيّ شيء ، فقال : إن السيف قد صار لي فأعطانيه ونزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) وأسند الطبري أيضا عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال : أصبت سيف ابن عائد يوم بدر ، وكان يسمى المرزبان ، فلما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل أقبلت به ، فألقيته في النفل ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يمنع شيئا يسأله ، فرآه الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعطاه إياه.
قال القاضي أبو محمد : فيجيء من مجموع هذه الآثار أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة ، لا سيما من أبلى ، فأنزل الله عزوجل الآية ، فرضي المسلمون وسلموا ، فأصلح الله ذات بينهم ورد عليهم غنائمهم ، وقال بعض أهل هذا التأويل عكرمة ومجاهد : كان هذا الحكم من الله لرفع الشغب ، ثم نسخ بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٤١] وقال ابن زيد : لم يقع في الآية نسخ ، وإنما أخبر أن الغنائم لله من حيث هي ملكه ورزقه وللرسول من حيث هو مبين بها أحكام الله والصادع بها ليقع التسليم فيها من الناس ، وحكم القسمة نازل خلال ذلك ، ولا شك في أن الغنائم وغيرها والدنيا بأسرها هي لله وللرسول.