الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٥٧)
هذه الألفاظ أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأعراف : ١٥٦] وخلصت هذه العدة لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما ، و (يَتَّبِعُونَ) معناه في شرعه ودينه ، و (الرَّسُولَ) و (النَّبِيَ) اسمان لمعنيين فإن الرسول ، أخص من النبي هذا في الآدميين لاشتراك الملك في لفظة الرسول ، و (النَّبِيَ) مأخوذ من النبأ ، وقيل لما كان طريقا إلى رحمة الله تعالى وسببا شبه بالنبيء الذي هو الطريق ، وأنشدوا :
لأصبح رتما دقاق الحصى |
|
مكان النبيء من الكاثب |
وأصله الهمز ولكنه خفف كذا قال سيبويه وذلك كتخفيفهم خابية وهي من خبأ ، واستعمل تخفيفه حتى قد روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لا تنبروا اسمي ، وقدم الرسول اهتماما بمعنى الرسالة عند المخاطبين بالقرآن وإلا فمعنى النبوءة هو المتقدم وكذلك رد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على البراء بن عازب حين قال آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وبنبيك الذي أرسلت» ليترتب الكلام كما ترتب الأمر في نفسه ، لأنه نبىء ثم أرسل ، وأيضا في العبارة المردودة تكرار الرسالة وهو معنى واحد ، و «الأمي» بضم الهمزة قيل نسب إلى أم القرى وهي مكة.
قال القاضي أبو محمد : واللفظة على هذا مختصة بالنبي صلىاللهعليهوسلم وغير مضمنة معنى عدم الكتابة ، وقيل هو منسوب لعدمه الكتابة والحساب إلى الأم ، أي هو على حال الصدر عن الأم في عدم الكتابة ، وقالت فرقة هو منسوب إلى الأمة ، وهذا أيضا مضمن عدم الكتابة لأن الأمة بجملتها غير كاتبة حتى تحدث فيها الكتابة كسائر الصنائع ، وقرأ بعض القراء فيما ذكر أبو حاتم «الأمي» بفتح الهمزة وهو منسوب إلى الأم وهو القصد ، أي لأن هذا النبي مقصد للناس وموضع أم يؤمونه بأفعالهم وتشرعهم ، قال ابن جني : وتحتمل هذه القراءة أن يريد الأمي فغير تغيير النسب.
والضمير في قوله : (يَجِدُونَهُ) لبني إسرائيل والهاء منه لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والمراد صفته ونعته.
وروي أن الله عزوجل قال لموسى قل لبني إسرائيل أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا وأجعل السكينة معكم في بيوتكم وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهر قلوبكم ، فأخبر موسى بني إسرائيل فقالوا : إنما نريد أن نصلي في الكنائس وأن تكون السكينة كما كانت في التابوت وأن لا نقرأ التوراة إلا نظرا ، فقيل لهم فنكتبها للذين يتقون يعني أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وروي عن عبد الله بن عمر ، وفي البخاري أو غيره أن في التوراة من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي