حاتم : وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء ، واختلف عنهم الأعرج ، وأبي جعفر ونافع وأبي عمرو وعيسى بن عمر وأبي يحيى وأبي نوفل الأعرابيين ، وقرأ ابن كثير «الريح» واحدة «نشرا» بضمها أيضا ، وقرأ ابن عامر «الرياح» جمعا «نشرا» بضم النون وسكون الشين ، قال أبو حاتم : ورويت عن الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء وقتادة وأبي عمرو ، وقرأ حمزة والكسائي ، «الريح» واحدة ، «نشرا» بفتح النون وسكون الشين ، قال أبو حاتم وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش وابن وثاب وإبراهيم وطلحة والأعمش ومسروق بن الأجدع ، وقرأ ابن جني قراءة مسروق «نشرا» بفتح النون والشين ، وقرأ عاصم «الرياح» جماعة «بشرا» بالباء المضمومة والشين الساكنة ، وروي عنه «بشرا» بضم الباء والشين ، وقرأ بها ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة. وقرأ محمد بن السميفع وأبو قطيب «بشرى» على وزن فعلى بضم الباء ، ورويت عن أبي يحيى وأبي نوفل ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «بشرا» بفتح الباء وسكون الشين ، قال الزهراوي : ورويت هذه عن عاصم.
ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد ، وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٥] وقوله (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢] وقوله (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [الروم : ٤٨] وأكثر ذكر الريح مفردة ، إنما هو بقرينة عذاب ، كقوله (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] وقوله (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [الحاقة : ٦] وقوله (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [الأحقاف : ٢٤] نحا هذا المنحى يحيى بن يعمر وأبو عمرو بن العلاء وعاصم ، وفي الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا هبت الريح يقول «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا».
قال القاضي أبو محمد : والمعنى في هذا كله بين ، وذلك أن ريح السقيا والمطر أنها هي منتشرة لينة تجيء من هاهنا وتتفرق فيحسن من حيث هي منفصلة الأجزاء متغايرة المهب يسيرا أن يقال لها رياح ، وتوصف بالكثرة ريح الصر والعذاب ، عاصفة صرصر جسد واحد شديدة المر مهلكة بقوتها وبما تحمله أحيانا من الصر المحرق ، فيحسن من حيث هي شديدة الاتصال أن تسمى ريحا مفردة ، وكذلك أفردت الريح في قوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس : ٢٢] من حيث جري السفن إنما جرت بريح متصلة كأنها شيء واحد فأفردت لذلك ووصفت بالطيب إزالة الاشتراك بينها وبين الريح المكروهة ، وكذلك ريح سليمان عليهالسلام إنما كانت تجري بأمره أو تعصف في حقوله وهي متصلة ، وبعد فمن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس ، وأيضا فتقييدها ب «نشر» يزيل الاشتراك.
والإرسال في الريح هو بمعنى والإجراء والإطلاق والإسالة ومنه الحديث فلرسول الله صلىاللهعليهوسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، والريح تجمع في القليل أرواح وفي الكثير رياح لأن العين من الريح واو انقلبت في الواحد ياء للكسر الذي قبلها ، وكذلك في الجمع الكثير ، وصحت في القليل لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال ، وأما «نشرا» بضم النون والشين فيحتمل أن يكون جمع ناشر على النسب أي ذات نشر من الطي أو نشور من الحياة ، ويحتمل «نشرا» أن يكون جمع نشور بفتح النون وضم الشين كرسول ورسل وصبور وصبر وشكور وشكر ، ويحتمل «نشرا» أن يكون كالمفعول بمعنى منشور