غير المدونة : كيف هذا؟ وهو لا يبوئه معها بيتا. وقال بعض الفقهاء : معنى ما في المدونة : أنه بشرط التبوئة ، فعلى هذا لا يكون قول سحنون خلافا و (مُحْصَناتٍ) وما بعده حال ، فالظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا مسلمات فإنه يقرب ، والعامل في الحال (فَانْكِحُوهُنَ) ويحتمل أن يكون (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) كلاما تاما ، ثم استأنف «وآتوهن أجورهن مزوجات غير مسافحات» ، فيكون العامل (وَآتُوهُنَ) ، ويكون معنى الإحصان : التزويج ، و «المسافحات» من الزواني : المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا ، «ومتخذات الأخدان» : هن المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية ، وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية ، قاله ابن عباس وعامر الشعبي والضحاك وغيرهم ، وأيضا فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية إما لا ترديد لامس وإما أن تختص من تقتصر عليه ، وقوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ) الآية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أحصن» على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل ، واختلف عن عاصم ، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج ، والثانية بالإسلام أو غيره مما هو من فعلهن ، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر ، واختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا ، فقال الجمهور : هو الإسلام ، فإذا زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة ـ وإسلامها هو إحصانها الذي في الآية ، وقالت فرقة : إحصانها الذي في الآية هو التزويج لحر ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وقالت فرقة : الإحصان ـ في الآية التزوج ، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة ، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري ، أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد. قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث.
قال القاضي أبو محمد : وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى (أُحْصِنَ) تزوجن ، وجواب النبي صلىاللهعليهوسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال : إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم ، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد ، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَ) ، وذلك سائغ صحيح ، والفاحشة هنا : الزنى بقرينة إلزام الحد ، و (الْمُحْصَناتِ) في هذه الآية الحرائر ، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل ، والرجم لا يتنصف ، فلم يرد في الآية بإجماع ، ثم اختلف ، فقال ابن عباس والجمهور : على الأمة نصف المائة لا غير ذلك ، وقال الطبري وجماعة من التابعين : على الأمة نصف المائة ونصف المدة ، وهي نفي ستة أشهر ، والإشارة بذلك إلى نكاح الأمة ، و (الْعَنَتَ) في اللغة : المشقة ، وقالت طائفة : المقصد به هاهنا الزنا ، قاله مجاهد : وقال ابن عباس : ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قريبا ، قال : و (الْعَنَتَ) الزنا ، وقاله عطية العوفي والضحاك ، وقالت طائفة: الإثم ، وقالت طائفة : الحد.
قال القاضي أبو محمد : والآية تحتمل ذلك كله ، وكل ما يعنت عاجلا وآجلا. وقوله تعالى : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) يعني عن نكاح ـ الإماء ـ قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا ندب إلى الترك ، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن ، وهذه الجملة ابتداء وخبر تقديره : وصبركم خير لكم (وَاللهُ غَفُورٌ) ، أي لمن فعل وتزوج.